هل ستجد الحكومة القادمة من يكبح جماحها؟

بخطىً حثيثة وختامًا لمخاض عسير تنطلق قريبًا حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، التي يحلو للبعض تسميتها "حكومة يمين خالصة " أو " حكومة يمين نقيّة"، في محاولة بائسة للتغطية على عيوب كثيرة، أو لذرّ الرماد في عيون المؤيدين والمباركين،

23.12.2022 מאת: المحامي زكي كمال
هل ستجد الحكومة القادمة من يكبح جماحها؟

 

الذين أرادوا نهاية حكومة التغيير برئاسة نفتالي بينيت، وبعده يائير لبيد ومشاركة القائمة العربيّة الموحّدة ، لتكون نتيجة الانتخابات حكومة تسود بين الشركاء فيها أقصى علامات انعدام الثقة ما استغرق  المكلّف بتشكيلها بنيامين نتنياهو أكثر من شهر لتشكيلهاـ رغم أن هوية الشركاء فيها كانت واضحة قبل الانتخابات،

 

 

وكذلك حتى بعض حقائبهم الوزاريّة وخاصّة إيتمار بن غفير، لتتجلى هذه الثقة المعدومة في إصرار الشركاء من الأحزاب المتديّنة المتزمّتة "شاس" و" يهدوت هتوراة" والحزب اليمينيّ المتطرّف " الصهيونية المتدينة" برئيسيه بتسلئيل سموترتيش، على " الصياغة النهائيّة والتامّة" لكافّة الاتفاقيّات الائتلافيّة، وليس ذلك فحسب، بل إصرارهم على إتمام كافة التشريعات الشخصيّة التي تهدف إلى إشباع رغباتهم الخاصّة، وتسهيل تمرير أجنداتهم والالتفاف على تعليمات القوانين السارية عبر تعديل بنود في قوانين الأساس، وهي البديلة للدستور المعدوم في إسرائيل، في أفضل تجسيد للقول المأثور للقياديّة في الليكود ميري ريغف " ما فائدة هيئة البثّ الرسميّة إذا لم تكن لنا السيطرة التامّة عليها"، ليصبح" لا قيمة للقوانين حتى قوانين الأساس، لأنه يمكننا تغييرها متى شئنا لخدمتنا وخدمة سيطرتنا على السلطة". ورغم المخاوف الحقيقية والتي لها ما يبررها على الصعيد الإسرائيليّ الداخليّ وتحديدًا التخوّف من تحويل إسرائيل الى دولة شريعة، والصعيد الإقليميّ والعالميّ وخاصّة المخاوف من حكومة يسيطر عليها أمنيًّا بتسلئيل سموتريتش،  وتحديد الأحزاب اليمينة المتطرفة والاستيطانيّة لسياساتها تجاه الفلسطينيين والدول العربيّة،

 

 

فإن تركيبة هذه الحكومة وهويّة المشاركين فيها وسيرتهم الشخصيّة، وخاصّة حين يدور الحديث عن الوزيرين المستقبليين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش اللذين يملكان سجّلًا لا بدّ تعرفه الأجهزة الأمنيّة العالميّة، خاصّة وأن الأول أُدين بالعضوية في تنظيم إرهابي وهو حركة " كاخ" العنصريّة، والتي أعلنت الولايات المتحدة عنها بدورها حركة إرهابيّة محظورة ، أما الثاني (سموتريتش) فيقيم في منزل بني دون تراخيص، وبشكل غير قانونيّ في مستوطنة في الضفة الغربيّة،

 

 

 

وكانت أجهزة الأمن الإسرائيليّة، وخاصّة "الشاباك" قد راقبته واعتقلته وبحوزته كميات كبيرة من الوقود وموادّ أخرى بشبهة التخطيط للمسّ ببنىً تحتية تابعة للدولة، لمنع تنفيذ خطة الانسحاب من طرف واحد من غزة في عهد حكومة أريئيل شارون،عام 2005، ناهيك عن المواقف المتشدّدة والعنصريّة التي تعتمد النصوص التوراتيّة اليهوديّة دستورًا ونهج حياة بكلّ ما تحويه من كراهية واحتقار لغير اليهود، ومن مختلف الديانات والانتماءات العرقيّة والمذهبيّة( رفض أن تمكث زوجته في قسم الولادة في المستشفى في غرفة فيها سيدة عربيّة)، فهم كلّهم أغيار  سمتهم الدونيّة وفق التعريف الدينيّ اليهوديّ، وما تحمله من أفكار ومواقف سياسية تقدّس أرض إسرائيل الكبرى والكاملة، فإنها  ونظرًا للأسباب ذاتها خاصّة ، قد تكون بالنسبة للقضية الفلسطينيّة وللمواطنين العرب داخل إسرائيل، ما يمكن أن ينطبق عليها القول إنها " رمية من غير رامٍ" في وصف عمل يأتي بنتيجة لم تكن بالحسبان،

 

 

 

بل ربما لم يخطّط لها، أو أن النتيجة التي أرادها كانت معاكسة تمامًا كحادثة بن عبد يغوث المنقري، أو الآية " وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم"، فمواقف الحكومة الجديدة والتي سيكون نتنياهو فيها ولسخرية القدر، الشخص الأكثر اعتدالًا، رغم أنه خطّط لضم الضفة الغربيّة، بينما يؤمن شركاؤه  ومنهم إيتمار بن غفير ، بأنه يجب طرد الفلسطينيّين من الضفة الغربيّة إلا اذا قبلوا بسيطرة إسرائيل الدولة اليهودية،  وتنازلوا عن طموحاتهم وتطلّعاتهم الوطنيّة ووافقوا على أن يكونوا مواطنين دون حقوق ومن الدرجة الثالثة أو الرابعة، أو سموتريتش  الذي قال من على منصّة البرلمان الإسرائيليّ بأن وجود وبقاء المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية منوط بإخلاصهم للدولة اليهوديّة، وبأن دافيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل الأول أخطأ حين لم ينهِ عملية ترحيلهم، وهدم قراهم والاستيلاء على أملاكهم عام 1948، وأنه عليهم الحذر كي لا يواجهوا نكبة ثانية، فهذه أمور  قد تعيد القضية الفلسطينيّة إلى الواجهة، أو قد تحسن وضعها وحالتها. ويبدو أنها بدأت تفعل ذلك، فالقضية الفلسطينية كانت غائبة، أو مغيبة طيلة عام ونصف منذ الانتخابات التي أسفرت عن تشكيل حكومة التغيير.  

 

 

 

وهي فترة اختار العالم والدول العربية معه، وربما بعض أعضاء الكنيست العرب، إسكات الصوت السياسيّ المتعلّق بالشأن الفلسطينيّ، دون أن تنتقد الحكومة المذكورة التي كان رئيسها نفتالي بينيت قد رفض أي اتصال بالفلسطينيين، بينما كان وزير أمنه بيني غانتس" ورقة التوت" التي غطّت عورة هذه الحكومة في هذا السياق، حتى حين قررت تمديد سريان قانون منع لمّ الشمل، أو أقرت شرعنة مستوطنات غير شرعيّة، أو حتى حين واصل الجيش الإسرائيليّ اجتياحاته للمدن الفلسطينيّة، أو حين شنّت حملتها العسكرية الأخيرة على قطاع غزة ( بزوغ الفجر)، وذلك انطلاقًا من أن العالم كلّه بما فيه أميركا والدول الأوروبيّة والدول العربيّة بما فيها مصر والدول الخليجيّة وباستثناء الأردن ربما، أرادت منح هذه الحكومة فرصة للنجاح وتثبيت أقدامها ، ليس محبّة بها، بل ربما لأنها كانت البديل لما هو أسوأ . والدليل على ذلك زيارات نفتالي بينيت المتكررة إلى الدول العربيّة التي تربطها بإسرائيل اتفاقيات سلام، أو دول معاهدة أبراهام، والتي شاركت لاحقًا  في "قمّة النقب"، ولعلّ قراءة معمّقة لأقوال بنيامين نتنياهو  خلال لقائه شبكة " العربيّة"  السعوديّة تحمل في طيّاتها تأكيدًا،  أو على الأقل إشارة لما سبق، فها هو نتنياهو الذي أراد ضمّ الضفة الغربيّة، ووأد كل محاولة أو احتمال، أو أفق للحلّ السياسيّ الذي يشمل إقامة، أو قيام كيان فلسطينيّ مع اختلاف شكله وتسميته،

 

 

 

يتعهّد بالسعي لإقامة علاقات دبلوماسيّة كاملة مع المملكة العربيّة السعوديّة بمجرد توليه منصبه، زاعمًا أن القيام بذلك من شأنه أيضًا تعزيز السلام مع الفلسطينيين، مؤكّدًا استعداده لاستئناف محادثات السلام خلف الكواليس مع الفلسطينيين، مطمئنًا كلّ من أراد أن يسمع ذلك، أنه هو من سيحدّد سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين والقضيّة الفلسطينيّة، وأنه لن ينجرّ وراء حلفائه المتشددين والمتطرفين قائلًا:” أنا سأحكم وسأقود. الأطراف الأخرى تنضمّ إليّ. أنا لا أنضمّ إليهم". وهي تصريحات  قالت عنها وكالة "أسوشييتد برس"  الأمريكية المعروفة، أنها يقينًا تهدف إلى تهدئة المخاوف العربيّة خاصّة والعالميّة عامّة، بشأن التركيبة اليمينيّة المتطرفة للحكومة الجديدة، والتي خرجت إلى حيز الوجود بعد سلسلة من الاتفاقات الائتلافيّة مع المتشددين الذين يفضّلون اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وعدوانية ضد الفلسطينيين، وزيادة بناء المستوطنات في الضفة الغربيّة المحتلة، ويرفضون بشدّة فكرة قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة، دون أن يمنعه ذلك من القول أنه سيسعى إلى السلام مع الفلسطينيين، ربما من خلال مفاوضات سريّة، وأنه يرفض حل الدولتين، داعيًا بدلًا من ذلك إلى رؤية جديدة وتفكير إبداعيّ، مع الإشارة إلى إنه يأمل في توسيع اتفاقيات أبراهام ،التي تم التوصل إليها مع دول عربيّة في عام 2020 ، من خلال التوصّل إلى اتفاق مماثل مع المملكة العربيّة السعوديّة، يشكّل نقلة نوعيّة لسلام شامل بين إسرائيل والعالم العربيّ، و سيسهل السلام الفلسطينيّ الإسرائيلي- كما قال.

 

 

 


تصريحات نتنياهو هذه لم تأت عبثًاـ فأقصى ما يتمناه هو ضمّ المملكة العربيّة السعودية إلى ركب اتفاقيات أبراهام وهو حاول ذلك في حينه، لولا تهوره وهرولته نحو الإعلام وكشفه عن زيارته للسعوديّة مع وزير الخارجيّة الأمريكيّ السابق مايك بومبيو،  والتي رشح عنها أن نتنياهو ربما سيوافق على اتفاقية سلام، أو تطبيع تكون مقبولة على الطرفين، لكن رغبة نتنياهو هذه المرة بسلام، أو تطبيع أو صلح مع السعودية وما قاله حولها يكشف عمق الهاوية التي يتواجد فيها نتنياهو، فهو لم يجرؤ حتى على الإعلان أنه يقبل المبادرة السعودية التاريخيّة، التي باتت تعرف بالمبادرة العربيّة، التي تقترح التطبيع الكامل مقابل إنهاء الاحتلال الإسرائيليّ لكافة الأراضي العربيّة، ودون اعتماد حلّ الدولتين ودون أن يعطي تفصيلًا، أو شرحًا لما سيكون عليه السلام المقترح مع الفلسطينيين، بل أسهب في شرح ما لن يشمله هذا السلام قائلًا: إنه لن يكون حلّ الدولتين ( الذي قبله نتنياهو في خطاب بار إيلان الشهير) . وأضاف أن على الفلسطينيين أن يعرفوا أنهم لن يحصلوا على دولة، أو كيان له صلاحيات "تهدّد بقاء ووجود دولة إسرائيل "، ولكن سيكون للفلسطينيين في تسوية نهائيّة جميع السلطات لحكم أنفسهم، أي دون جيش أو شرطة، ودون سيطرة على المعابر وغير ذلك مما قد يشمله التعبير الفضفاض "تهديد أمن إسرائيل" وفق الرؤية الإسرائيليّة، وفي المجمل فإن هذه التصريحات والتي تراجع عنها نتنياهو بواسطة بيان صحفي لحزبه، الليكود، تعكس حجم" الوعود البراقة والوهميّة" التي يسعى نتنياهو للترويج لها ضمن محاولاته طمأنة العالم بشأن حكومته المقبلة، بما في ذلك القيادة السعوديّة، التي يحاول نتنياهو ضمها إلى "اتفاقيات أبراهام" مدركًا أهميّتها الدينيّة والاستراتيجيّة ، لأنها إذا ما انضمت الى اتفاقيات أبراهام ستكون " الزهرة التي تبشر بقدوم الربيع"، أو القطر ة التي تمثّل أول الغيث، بسبب مكانتها الدينيّة خاصّة بكل ما يتعلّق بالمسجد الأقصى ، وبعد غياب دور لجنة القدس المنبثقة عن الدول العربيّة والإسلاميّة، والتي ترأسها ملك المغرب الحسن الثاني، ثم اختفت عن الساحة خلال السنوات الأخيرة( عقدت 20 اجتماعًا فقط منذ تأسيسها عام 1975)، واندثرت خلال العامين الأخيرين بعد اتفاق السلام والتطبيع بين إسرائيل والمغرب.  وهذا يضاف إلى تحذيرات فلسطينيّة وعربيّة منها التحذيرات الدبلوماسيّة التي نقلتها الإمارات العربيّة المتحدة ومملكة البحرين إلى الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ خلال زيارته إليهما، وفي قنوات اتصال دبلوماسية أخرى،  وحتى أوروبية   اكدت التخوّف من الحكومة اليمينية المتطرّفة برئاسة بنيامين نتنياهو  التي ستؤدي وفقًا لكافة الدلائل،  

 

 

اليمين الدستوريّة  الأسبوع القادم أي قبل نهاية شهر كانون الأول 2022،   والتي تنذر مواقف الشركاء فيها بأن العرب داخل إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربيّة عامة وشرقي القدس  خاصّة هم من سيكون أول المتأثّرين بنتائج تشكيلها، حيث من المرجح في الضفة الغربية المحتلة، أن تتعامل بقسوة أكبر مع التصعيد الأخير للحركات والمجموعات الفلسطينيّة المسلحة، كما ستحظى طموحات وأطماع ومطالب المستوطنين باستجابة غير مشروطة خاصّة وأن بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب" الصهيونية الدينية" سيحظى بمنصب تم استحداثه خصيصًا وهو " وزير في وزارة الأمن" سيكون مسؤولًا عن الإدارة المدنيّة التي كانت "حسب التعريف الإسرائيليّ" الذراع المدنيّ للجيش الإسرائيليّ الذي عالج كافة القضايا المتعلّقة بالفلسطينيين في الضفة الغربيّة ،  علمًا أن المستوطنين يطالبون بعمل عسكريّ  للجيش الإسرائيليّ للتخلّص من المسلّحين في نابلس وجنين، مع الإشارة إلى أن  10 أعضاء برلمان من الأحزاب المشاركة في الحكومة الجديدة المتبلورة من أصل 64 يقيمون في مستوطنات إسرائيليّة، ومنهم إيتمار بن غفير،  الذي يقيم في البؤرة الاستيطانيّة في الخليل، والذي طالب خلال حملته الانتخابيّة بإطلاق يد القوات الإسرائيليّة أكثر في قمع التظاهرات في إسرائيل والأراضي المحتلة، وتضمّنت مطالب حزبه في مفاوضات الائتلاف تغيير قواعد إطلاق النار الخاصة بالشرطة الإسرائيليّة، ومنحها الغطاء القانوني لاستخدام القوة بغية القتل، ما يؤكّد مخاوف العالم وأميركا من الأجندة اليمينيّة المتشدّدة للحكومة الجديدة  بكل ما يتعلّق بالقضية الفلسطينيّة والقدس والمسجد الأقصى الذي يريد بن غفير منع محاكمة اليهود الذين يؤدّون الصلوات فيه خلافًا للوضع القانونيّ السائد حاليًّا في إسرائيل،  في خطوة يريد منها ربما وضع حدٍّ للمطالب الفلسطينيّة والوصاية الهاشميّة هناك، وصولًا إلى تقسيم زماني ومكاني للمكان تمامًا كما هو الحال في الحرم الإبراهيميّ الشريف في الخليل، إذ يقيم ايتمار بن غفير، وفرض السطوة السياسية على الشرطة وتعميق الطابع الدينيّ القوميّ المتطرف والعنصريّ للدولة وضد العرب وتضييق الخناق على الجهاز القضائيّ ما يعني تحويل  الليبراليّة الشكليّة في إسرائيل إلى نظام غير ليبراليّ ، وتضييق الخناق على المعارضين. وهي تدابير تعتبرها المحكمة العليا انتهاك للقوانين الأساسية لإسرائيل، قد تصل حدّ الحظر الصريح للأحزاب العربيّة في الكنيست، وترحيل الناشطين الفلسطينيين ، وحظر رفع العلم الفلسطينيّ، وتعزيز استثمار الدولة في بناء المستوطنات، والتحضير لعمليّة ضمّ أجزاء إضافيّة من الضفة الغربيّة، وزيادة التمويل المخصّص للحركات الاستيطانيّة اليهوديّة والمعاهد الدينيّة والمؤسسات التعليميّة القوميّة الدينيّة.

 

 


هنا المجال لطرح السؤال المهمّ حول قوة ومتانة وصلابة وجديّة الخطوات الدولية التي ستواجهها إسرائيل إزاء كل ما سبق، وهل ستقودها إلى تعديل مسارها، على ضوء تجربة الماضي ورفض إسرائيل الشرعيّة الدوليّة، علمًا أن هناك من يؤكد أنه من غير المجدي للفلسطينيين والعرب، أو حتى للمعارضة داخل إسرائيل، الاعتماد على العالم وردوده بمعني أن المؤشرات الحالية لا تشير إلى  أن هذه الحكومة اليمينيّة ستواجه تداعيات دولية ملموسة، على الرغم من أن عددًا من قادة الدول الأوروبيّة، ومنهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، الذي تربطه برئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لبيد علاقة حميمة ومميزة، ورئيس الوزراء البريطانيّ ريشي سوناك، هنأوا نتنياهو على عودته إلى السلطة، ليبقى التعويل عمليًّا على الولايات المتحدة  واليهود فيها وغالبيتهم من غير المتزمتين ومن أنصار الحزب الديمقراطي وأصحاب التأثير الإعلامي والمالي هناك، وبعض أصحاب وسائل الإعلام، وهو ربّما ما ينبأ به  المقال الذي  نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "مُثُل الديمقراطيّة في دولة يهوديّة في خطر"،

 

 

 

قالت فيه إن الحكومة اليمينيّة المتطرفة التي ستتولى السلطة في إسرائيل قريبًا، بقيادة بنيامين نتنياهو، تمثّل اختلافًا نوعيًّا ومثيرًا للقلق عن جميع الحكومات الأخرى في تاريخ إسرائيل، وأن التنازلات الكبيرة التي قدمها للمستوطنين والمتدينين المتطرفين تعني أن حكومة نتنياهو تشكّل تهديدًا كبيرًا لمستقبل إسرائيل وتوجّهها وأمنها وحتى لفكرة وجودها كموطن قوميّ يهوديّ،  وأنها ستجعل من المستحيل عسكريَّا وسياسيًّا، الوصول إلى حلّ الدولتين، داعية الإدارة الأمريكيّة برئاسة جو بايدن إلى فعل كل ما في وسعها لردع الحكومة المقبلة، التي ستحدّد سياستها على أرض الواقع  الأحزاب اليمينيّة المتطرفة، التي  تدعو إلى توسيع وشرعنة المستوطنات، كما تدعو إلى تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسيّ الشريف، وهو عمل ينذر بإثارة العنف والتصعيد، وهي تحركات مقلقة، طالبت الصحيفة إدارة بايدن  بالرد عليها علمًا ان الرد الوحيد الأميركي حتى الآن هو خطاب حَذِر من وزير الخارجية أنطوني بلينكين الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة سوف تتعامل مع السياسات الإسرائيليّة، وليس الأفراد ، في إشارة إلى أن أميركا ستعامل إسرائيل وفق مبدأ " الممارسة والنتيجة"، وليس التصريحات. وهي رسالة تحمل تفسيرين أو "تصريح يجوز فيه أمران": أولهما أن الإدارة الأميركية ستتابع عن كثب تصرفات الحكومة وستتخذ الردود والمواقف إِزاء ذلك، وثانيها أن الإدارة الأميركية ستضع تصريحات نتنياهو حول كونه من سيقود ويحدد السياسات،  تحت المجهر، وأنها ستتخذ كافة الخطوات للتأكد من أنه فعلًا هو صاحب القول الفصل، مع الأخذ بعين الاعتبار مواقف وتطلعات وأجندات الأحزاب اليمينية التي تتمتع بأغلبية مطلقة في الكنيست، وأن نتنياهو، الذي يأمل في أن تنقذه الحكومة الجديدة من المحاكمة و السجن المحتمل،  يقع عمليًّا تحت سلطة قيادات هذه الأحزاب المتزمتة. 
ووفق الدبلوماسية المعتدّة والمتبعة، جاء الردّ الأميركي ملتويًا وغير مباشر لكنّه واضح وضوح الشمس، فأشارت واشنطن إلى القيم المشتركة الراسخة بين إسرائيل وأميركا، والروابط القوية والمتشعّبة، التي بفعلها تدعم أمريكا إسرائيل ماليًّا وسياسيًّا وعسكريًّا ( 38 مليار دولار على مدار 10 أعوام بقرار من الرئيس باراك أوباما عام 2016) سببه وقاعدته احترام المثل الديمقراطيّة، والتعهدات الدوليّة المشتركة، ومنها إلتزام إدارة بايدن بحل الدولتين وموقفها من الاستيطان، وهو موقف رافض يعتبره عائقًا أمام أي حلّ سياسيّ للقضية الفلسطينيّة، ورافض للضم أو تغيير الوضع القائم في شرقي القدس والمسجد الأقصى،  وكذلك اتفاق ترسيم الحدود البحريّة بين إسرائيل ولبنان الذي وقعته الحكومة المنتهية ولايتها، وأعلن نتنياهو رفضه له. وكلها أمور ستؤدي إذا ما تم خرقها إلى توترات خطيرة ومتكررة مع الفلسطينيين خاصة ، كما مع دول إضافيّة منها الدول العربيّة الشريكة في اتفاقيات أبراهام، علمًا أن وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد كان قد حذَّر نتنياهو من أن إشراك سموتريتش وبن غفير في الحكومة سيؤثر سلبًا على العلاقات مع الإمارات. وهو امر يكتسب أهميّة خاصة على ضوء تولي الإثنين مناصب وزاريّة حاسمة ومؤثّرة خاصة على العلاقات مع الفلسطينيين في الضفة الغربية والمواطنين العرب داخل إسرائيل وسنعود اليهم لاحقًا. وفوق ذلك جاء تحذير السناتور روبرت ميننديز الديمقراطيّ الذي اشتهر بدعمه التام لإسرائيل، الذي حذر من  دمج سموتريتش وبن غفير في الحكومة قائلًا أنه يجب أن يدق أجراس الإنذار في إسرائيل والعالم، وأنه يمكن أن يؤدي إلى "تحطيم" عدد من القيم المشتركة الديمقراطيّة بين إسرائيّل والولايات المتحدة، وهي أهم في نظر الأمريكيين من المصالح المشتركة، فهي القيم التي دفعت بالرئيس الأميركيّ هاري ترومان إلى دعم إقامة إسرائيل عام 1948،

 

 

 

ودفعت بالرئيس ليندون جونسون  لوصف دولة إسرائيل  الناشئة بأنها أرض حيوية ومزدهرة، وبأنها رمز للشجاعة ولقوة شعبها، وبالرئيس كنيدي إلى وصف العلاقة بين البلدين على انها علاقة خاصة ومميزة، وأثمرت هذه القيم المشتركة عن دعم قوي ومتواصل من أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطيّ والجمهوريّ، مع ان نتنياهو بدعمه التام للجمهوريين ودونالد ترامب خاصة على خلفية الاتفاق النوويّ مع ايران، ألحق الضرر بهذه العلاقات، وبالتالي جاءت التحذيرات الواضحة من أصدقاء إسرائيل في الولايات المتحدة من أن فقدان هذه القيم المشتركة سيمنح منتقدي إسرائيل في أميركا دفعة قوية تعزز مواقفهم من أن إسرائيل خاصة في العقد الأخير(عقد سيطرة نتنياهو) لا تشارك الولايات المتحدة القيم السابقة الذكر، وهي نفسها القيم التي كانت أساس التأييد التلقائيّ لدعم تحركات إسرائيليّة في سوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة ، من منطلق دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها كدولة ديمقراطية،  في مواجهة "حماس" أو " حزب الله" وغيرهما.

 

 

 


هذه المواقف يعزّزها وجود وزراء متطرفين في الحكومة الإسرائيليّة الجديدة يؤكّدون علنًا عداءهم للمواطنين العرب ويتمنون طردهم، ويعتبرون حقوق المواطنين العرب داخل إسرائيل وهم يحملون الجنسية الإسرائيليّة، حقوقًا مشروطة بالولاء للدولة اليهوديّة، أو دولة اليهود وليس الديمقراطيّة وذلك وفق قانون القوميّة، ناهيك عن أن الإجراءات التي تريد الحكومة الجديدة إدخالها على الجهاز القضائيّ تعني إضعاف صورة إسرائيل كدولة ديمقراطيّة ، وهو ما سوف يستغلّه معارضو إسرائيل ومؤيدو الشأن الفلسطينيّ، أو حركات المقاطعة لإسرائيل، لتقويض العلاقة مع إسرائيل، وربما لرفض الطلبات العسكرية الإسرائيليّة ومعها وقف منح إسرائيل التصاريح لتصدير تقنيات عسكريّة لدول العالم خاصّة تلك التقنيات التي تستوجب تصريحًا أميركيًّا لبيعها وفق اتفاقيات أمنية بين البلدين، ما يعني أنه من غير المنطقي أن تواصل إسرائيل وحكومتها الجديدة النظر إلى العلاقات مع أميركا على أنها قضية مفهومة ضمنًا، أي أن تصبح تمامًا مثلها مثل العلاقات الأوروبيّة الإسرائيليّة، وهو ما تطرق إليه ميننديز، الذي قال إنه يحظر على الولايات المتحدة عدم الوقوف جانبًا وعدم التزام الصمت إزاء تصرفات قد تتخذها الحكومة الجديدة ، علمًا أن معلومات رشحت عن مصادر أميركية كشفت أن الإدارة الأميركية فضلت وتفضل أن يعتمد نتنياهو على حكومة واسعة يشارك فيها بيني غانتس ويائير لبيد وغيرهما، بعد حين إن لم يكن اليوم، باعتبار أن حكومة عريضة من شأنها أن تحمي القيم الديمقراطيّة، وتضمن حقوق المواطنين العرب ومساواتهم، وتحول دون مغامرات عسكريّة وسياسيّة قد يتسبب بها وزراء يتسمون بالعنصرية والتطرف، ويعتبرون الأوامر الإلهيّة والتوراتيّة سياسة ونهج حياة ،غير أبهين لمواقف العالم عامة والعرب والفلسطينيين خاصة.

 

 


إذًا، امتحان  الحكومة اليمينيّة القادمة، سيكون، كما في القضاء أو النص القانوني، امتحان النتيجة وهو امتحان مباشر نتائجه سريعة ومعالمه واضحة. ويبدو أن الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة ، أو ستحاول على الأقل ، كبح جماح الحكومة اليمينيّة القريبة في إسرائيل إن لم تكبح هذه الحكومة جماح نفسها، أي إذا ما خضعت للواقع وهو رغبة أنصارها في "إظهار السيطرة وتنفيذ الأجندات، وتحطيم المعتقدات والمؤسسات".

 

 

 

وهو خضوع خطير لأن من  خصائص الواقع ، كما قال الناقد والصحفي، رولان بارت أن السيطرة عليه غير ممكنة، وبكلمات أخرى : هل ستقود الحكومة القادمة الواقع أم انها ستُقاد من قبله؟ .. الجواب هو الفارق أو الخيط الرفيع الفاصل بين كونها نعمة، أم نقمة، فهل ستكون الحكومة القادمة، نارًا تكتفي بأن تأكل غيرها أم ستأكل نفسها أيضًا إن لم تجد، بفعل تأثيرات خارجيّة، أو قرارات داخليّة طوعًا أو اضطرارا، من رئيسها بنيامين نتنياهو، ما ستأكله؟؟؟. 

 

תגובות

מומלצים

\