"حين يكون عدوّك جزءًا لا يتجزّأ منك"

الآن، وقد انتهت الانتخابات، وباتت النتائج واضحة جليّة لا تقبل الشكّ، أو التأويل، واتضح أنها، بالنسبة للمواطنين العرب خاصة، التجسيد الكامل للمثل "وقع الفأس بالرأس"، وليس فقط، أوّلًا، بكلّ ما يتعلق بصعود اليمين المتطرّف ممثّلًا بالصهيونيّة الدينية ورموزها بتسلئيل سموتريتش

11.11.2022 מאת: المحامي زكي كمال
"حين يكون عدوّك جزءًا لا يتجزّأ منك"

 

وقبله ايتمار بن غفير وشكل الحكومة القادمة، وثانيًا بكل ما يتعلق بالوجود العربيّ في إسرائيل والخطاب والممارسة السياسيّة  والبرلمانيّة، وبالتمثيل البرلمانيّ العربيّ، وما تخلّل الحملة الانتخابيّة بين القوائم العربيّة الثلاث التي خاضت الانتخابات من عداء وحقد ونكاية، ومحاولات إسقاط وإفشال، وما تلاها من ادعاءات واتهامات أقرب إلى التجنّي، وربما الاتهام الجنائيّ، وتصريحات بأن العلاقات بينها وصلت حدّ الطلاق والقطيعة البائنة بينونة كبرى، وفوق كلّ ذلك، وهذا ما سنعود اليه بتوسع، مواصلة هذه القوائم نهج التضليل وتشويه الحقائق بشكل يعيد إلى الأذهان حالات عديدة وكثيرة لشديد الأسف من التاريخ السياسيّ العربيّ في القرن العشرين وحتى اليوم، تعكس رفضًا مقلقًا للاعتراف بالحقيقة وإنكارًا للواقع الذي لا ينكره عاقل، ولا  " ينتطح فيه عنزان"، بل أكثر من ذلك، وأخطر من ذلك، فهو يصل حدّ الإصرار على تحويل الهزيمة، أو الخسارة الواضحة، أو الإنجاز المُهين إلى نصر مبين، عبر فذلكات لفظيّة وعبارات منمّقة يُخفي بريقها معالم الخسارة والهزيمة، ناهيك عن احتفالات شهدتها مقرّات الأحزاب والقوائم "احتفاء بإنجازات تاريخيّة"!!!!، بدلًا من الوقوف لحظة صمت ومراجعة الذات ومحاسبة النفس، والكفّ عن فلسفة كلّ هزيمة  وخسارة، وكلّ دمار فتنقلب كلّها بقدرة قادر، وبجرّة قلم وبيان صحفي متلفز أو مسجَّل ،إلى انتصارات باهرة ، إمعانًا في مغالطة الذات والكذب على التاريخ، رغم الهزائم التي ألمّت بنا من كلّ ناحية. هي مغالطة نتيجتها الحتميّة  واضحة وماثلة في السياسة والاجتماع والاقتصاد والحياة العامّة،  وكأنه قُضِّي أن لا يخرج العالم العربيّ والفلسطينيون والعرب في إسرائيل من أزمة، حتى يقعوا  في واحدة أشدّ منها وأنكى، أو كأَن واقع الهزيمة ومنطق رفض الاعتراف بالخطأ يجعلنا في معظم الأحيان، إلا من رحم ربي، نمعن في الانغلاق وتقديس أخطائنا وتكريسها، حتى أننا نفضّل تحويل كلّ هزيمة إلى نصر كبير تسانده الخطابات الرنانة المليئة بالتضليل، والهادفة الى إتهام الدنيا كلّها ومن عليها وتحميلهم مسؤولية الفشل، باستثناء المسؤولين الحقيقيين، فالفشل خاصة في شرقنا وعروبتنا يتيم الأب والأم، أما النجاح فله ألف أب وأب.

 

 


ما بعد الانتخابات، كما هو واضح اليوم، وقبل أن تتشكّل الحكومة نهائيًّا، وفي مرحلة التفاوض الائتلافيّ، ملخصه أن ما فات مات، وما هو آتٍ لا يبشّر بالخير، فإسرائيل عامّة والمواطنون العرب خاصة، أمام منظومة حكم قوامها صهيونيّة من نوع جديد غير معهود، يصوغ تفاصيلها اليمين المتطرّف وميزتها الأساسيّة أنها صهيونيّة فوقيّة متعجرفة ومتكبرة تُلغي ما دونها، وتقصي كلّ من هو غيرها من أقليّات عرقيّة ومدنيّة لا تقبل تعريف إسرائيل على أنها دولة يهودية ومن ثمّ ديمقراطية،  وتصرّ على أن لا تتحوّل إسرائيل إلى دولة لليهود فقط، فالسلطة الجديدة والحكومة الجديدة بتركيبتها لا تترك المجال إلا بتسميتها بأنها حكومة تكرّس الفوقيّة القوميّة والدينيّة الصهيونيّة، وتؤكّد أن كل القيم التي تلي ذلك، أو التي يمكن أن تلي ذلك، وتحديدًا الحقوق المدنيّة والدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، وحتى قضيّة التمثيل البرلمانيّ، كلّها دون استثناء، إنما هي وليدة الفوقيّة الصهيونيّة واليهوديّة وتنبثق عنها، بمعنى أن الحقوق التامة تقتصر فقط على اليهود، وخاّصة أولئك منهم الذين يقدّسون فوقيّتهم لأسباب دينيّة وقوميّة وطائفيّة ، أما الباقون بمن فيه " غير اليهود" فمعاملتهم تتسم بالدونيّة وحقوقهم منقوصة وهي مِنَّةٌ من الأغلبية يتمّ سحبها من بين أيديهم متى شاءت الأغلبيّة، أو السيد، خاصّة إذا لم يثبتوا القدر الكافي وفق رأي الأغلبيّة- من الولاء للدولة، وكلّها مظاهر كانت ماثلة منذ سنوات جذورها عميقة في قانون القوميّة وقانون كمينيتس، وقضية الجندي إليئور أزاريا الذي تمّت محاكمته وسط ضجة جماهيريّة واسعة ومعارضة من اليمين المتطرّف والمستوطنين وبعض النواب من حزب الليكود والأحزاب الدينيّة، بعد إطلاقه النارعلى الشاب الفلسطينيّ عبد الفتاح الشريف وقتله بل إعدامه، بعد إصابته بجراح،  لكنها لم تنكشف بكامل صورتها  إلا بعد الانتخابات، وذلك بعد أن كانت هذه الصورة وخلال المعركة، أو الحملة الانتخابية ماثلة بكامل تفاصيلها أمام اليهود والعرب على حدّ سواء، فأيدها اليهود بأعداد كبيرة ومقلقة  أيدت طرح الدولة اليهوديّة، أو دولة اليهود على حساب الدولة الديمقراطيّة. أما العرب فقد واجهوها كما اعتادوا، بخطب عصماء وشعارات رنانة من جهة، وبدعوات إلى المقاطعة، أو تقاعس عن التصويت بدعوى أن ذلك لن يغيِّر من الواقع شيئا، وأن النواب العرب لم يفعلوا شيئَا، وأن مشاركة القائمة العربيّة الموحدة كانت تنازلًا عن الثوابت والشأن الوطنيّ، مقابل ميزانيات وحقوق مدنية، إضافة إلى تمزق وتشرذم داخليّ من جهة أخرى وصل ذروته بخوض الانتخابات بثلاث قوائم وإتلاف، أو "حرق" أكثر من 130 ألف صوت جرّاء مخاطرة كانت نتائجها واضحة  للجميع باستثناء أصحاب الشأن، منذ البداية خاضها التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ، رغم أن كافّة الأدلّة والاستطلاعات أكّدت بما لا يُبقي للشك موضِعًا، أنه لن يجتاز نسبة الحسم. أما اليسار الإسرائيليّ  اليهوديّ، فحدّث ولا حرج ، فقد كان يهوديّ الهويّة عربيّ التصرّف، يرفض الوحدة والتعاون ويغلب المصالح، أو التطلعات، أو ربما النزوات الشخصيّة على المصلحة العامة، بفارق بسيط هو أنه في حالة عدم تجاوز "ميرتس" نسبة الحسم، اعترف بالهزيمة ووعد باستخلاص  العبر اللازمة، والتي يجب استخلاصها من تصريحات النائب إيتمار بن غفير، اليمينيّ الكاهانيّ الذي قال بعد ظهور نتائج الانتخابات:" حان الوقت لنعود إلى التصرف كأصحاب الأرض والبيت في دولتنا"، في قول يزيح اللثام عن التعابير والتصريحات اللطيفة  التي تتحدث عن " استعادة النظام"، أو " الحوكمة" ويؤكّد النوايا المبيتة من وراء هذه التصريحات، وهي نوايا تريد تحويل البلاد إلى مجموعتين: أسياد وعبيد، أو أسياد وتابعين لا حول لهم ولا قوّة ولا حقوق وبعدها لا وجود.

 

 


 ما سبق يعني أن الحكومة القادمة في إسرائيل، إذا ما تمكّنت كافّة الأحزاب المشاركة فيها، من فرض كافّة أجنداتها، ستصبح حكومة منبوذة تجعل إسرائيل تبدو مشابهة لدول تحفّظت الحكومات الإسرائيليّة المتتابعة من شخصيّة وشخص حكامهما وسياساتها، وحكومة سترفض كثير من الدول التعامل معها، خاصّة دولًا أوروبيّة ترفض طروحات الترحيل والتهجير التي يتبناها اليمين المتطرف، ودولًا عربية تربطها بإسرائيل اتفاقيات سلام، أو صلحٍ سمّها كما تشاء، ستجد نفسها غير مستعدّة، وغير قادرة على التسليم  بوجود حكومة كهذه تتبنى علنًا العنصريّة الواضحة كسياسة رسميّة لها كلّها، أو لبعض مكوّناتها ، ومن المؤكّد أن بنيامين نتنياهو، ورغم رغبته الجامحة والواضحة في وقف محاكمته بالتهم الجنائيّة وإلغائها مستعينًا بشركاء يمينيين متطرّفين وضعوا نصب أعينهم هدف تقزيم وتحطيم الجهاز القضائيّ، سيدرك المخاطر والتبعات العالميّة والإقليميّة المترتبة على ذلك، وبالتالي لا أستبعد أن يحاول، كما فعل في السابق وعشية الانتخابات الماضية، أن يتوجه إلى القائمة العربيّة الموحّدة برئاسة الدكتور منصور عباس، في محاولة هي غاية في نفس يعقوب يريد من خلالها إضفاء نوع من الشرعيّة على هذه الحكومة وهذه التوليفة، منعًا للأضرار، وهو ما يبدو أن رئيس دولة إسرائيل يتسحاق هرتسوغ، هو أول من تنبّه له، وأوّل من فهم تبعات تشكيلة الحكومة القادمة، وبالتالي توجّه بمبادرته- وهو من المقرّبين لبنيامين نتنياهو وتمّ انتخابه بدعم من الليكود-  إلى حزبي " يش عتيد" برئاسة يئير لبيد، والمعسكر الرسميّ برئاسة بيني غانتس، محاولًا إقناعهم بالانضمام إلى الحكومة، وعدم تركها وفق تركيبتها الظاهرة حاليًّا، خاصّةً وأن الملامح الظاهرة تبدو مقلقة على ضوء تصريحات الوزير السابق تساحي هنجبي من الليكود حول أن حكومة برئاسة نتنياهو ستعمل على قصف وضرب المنشآت النووية الإيرانيّة، متناسيًا تبعات ذلك التي قد تصل إلى حرب شاملة، أو نووية مع دولة طوّرت أسلحة كثيرة خلال السنوات الأخيرة، لتصل اليوم مرحلة تصدِّر فيها الأسلحة بأنواعها إلى دولة عظمى هي روسيا، وهي تصريحات لم يقابلها أيّ نفيّ من الليكود وقادته أيًّا كانوا، كما أنها تصريحات تعني أن الحكومة القادمة ستكون غير مسبوقة من حيث خطورتها، وربما تهورها ومطالب الشركاء فيها،  وكلّهم يدركون أن ما يجمعهم هو رغبتهم في وقف محاكمة نتنياهو، والحصول على ميزانيات وتنفيذ أجندات لن يجدوا لتنفيذها شريكًا بعد رحيل نتنياهو، أما بسجنه أو بفعل العمر. فالحكومة القادمة، أو عناصر النظام القادم ستعمل منذ يومها الأول في الحكم،  أو قبل ذلك حتى، على تطوير أدوات متكاملة لإدارة الحكم والسيطرة على مقاليده وفقًا لمفاهيمها ولأهدافها، وملاحقة جميع "أعداء الدولة والنظام" ومعاقبتهم، كطلاب الجامعات والموظفين، وحتى الأطباء والمحامين والمحاضرين في الجامعات. فهناك من سيراقب الجميع بشكل يجعل ما مارسته حكومات نتنياهو سابقًا ليس الا خطوات بسيطة وتمهيديّة لملاحقات ستمسّ العرب في إسرائيل دون استثناء، وسيحاول الشركاء خاصّة من اليمين (وفي مقدمتهم إيتمار بن غفير الذي احتفل بإنجازه الانتخابيّ على أنغام "الموت للعرب")   الوفاء بتعهداتهم بتطبيق مواقفهم تجاه الفلسطينيين بشكل عام، وتجاه المواطنين العرب على وجه التحديد، تنفيذًا لإحكام سلطتهم على جميع مرافق الدولة وتمكينهم، كحكومة ووزراء، من تأكيد فوقية الشعب اليهوديّ وسيادته على أرض إسرائيل ومن يسكنها من غير اليهود، دون منازع تجسيدًا لخطابهم القائل:" نحن أسياد البلاد ونحن الحاكم الأوحد،  وسنمارس سيادتنا غير مهتمّين بالرأي العام العالميّ، ولا الجهاز القضائيّ".

 

 


أما بالنسبة للأحزاب العربيّة فلا جديد يذكر ولا قديم يُعاد، وأقول هذا على خلفيّة "احتفالات النصر والإنجازات"  التي سادت مقرّات التحالف الثنائي للعربيّة للتغيير والجبهة وكذلك مقرّ القائمة العربيّة الموحّدة التي حافظت على قوّتها، بل زادتها، وبالتالي يمكن للبعض تفهّم احتفالها بأنه التأكيد على أن نهجها قد فاز، فالانتخابات أكدت لمن أراد أن الوحدة الدائمة والعمل السياسيّ الصحيح المبنيّ على استراتيجيّة بعيدة المدى، وليس التكتيك المؤقت من جهة والأحزاب العربيّة وطرق عملها وآدائها من جهة أخرى، هما خطان متوازيان لا يلتقيان، أو أنهما التقيا مرة واحدة في القائمة العربيّة الموحدة التي أفرزت 15 مقعدًا في إنجاز كان الكفيل، لو تكرر هذه المرة في خلق صورة مغايرة لنتائج الانتخابات ومنع الحالة الحاليّة، التي يقف الجميع فيها في المجتمع العربيّ "ينتظرون" شرور  بن غفير من جهة،  ويراهنون، أو يتمنّون أن يتّسم نتنياهو بالاتزان وهو الذي نعتهم طيلة الحملة الانتخابيّة بأنهم يؤيّدون الإرهاب، وأنهم يريدون تغيير طابع الدولة اليهوديّ، فالأحزاب العربيّة ممثّلة بقوائمها الثلاث خاضت حربًا داخليّة خلت من النقاش الحضاريّ، واتسمت بالتخوين والاتهام المتبادل بأن كلًا منها يريد إسقاط الآخر ،ليس أقل وربما أكثر من إسقاط اليمين وبن غفير ومنع نتنياهو من العودة الى سدة الحكم، فالتجمع اتهم التغيير والجبهة بالتآمر عليه وابقاءه وحيدًا في ساحة المعركة، والجبهة والعربية للتغيير اتهمتا التجمع- وصدقتا في منظور النتيجة النهائيّة- بأنه متهوّر مغامر سيحرق مئة ألف صوت وأكثر، فيما كانت الموحدة في موقع من اتهم بأن "الفزعة" التي توسلت إليها الجبهة والعربيّة للتغيير كادت تؤدّي إلى منعها من عبور نسبة الحسم، لولا " فزعتها" الخاصّة في اللحظات الأخيرة من يوم الانتخابات، ولعلّ ما برز أكثر من غيره هذه المرة هو " تصويت النكاية" فبعض الناخبين صوتوا لحزب التجمّع وبالآلاف نكاية بالجبهة والعربيّة للتغيير وبالعكس، وكأَن أحزابنا العربية ترفض مبدأ الخصومة السياسيّة، وتتبنى مبدأ العداء والعداوة، فتحرق الأخضر واليابس بدافع الحقد والكراهية والأنا ، وكأنه شمشوم الجبار القائل:" علي وعلى أعدائي "، فلم يتعلموا الدرس من سموتريتش وبن غفير اللذين اتحدا فكادا يضاعفان قوتهما، ليتم الانفصال بينهما بعد الانتخابات، في حالة تثبت ما قلته مرارًا وتكرارًا أننا في المجتمع العربيّ لا نجيد اللعبة السياسيّة والبرلمانيّة والديمقراطيّة والمعادلات الوسطيّة، بل أننا نقدّس ونكرس المعادلات الصفريّة التي تكون أحيانًا طامّة كبرى ووبالًا وشرًّا مستطيرًا. لكن المقلق، بل المحبط هنا أن الاتهامات بين قادة ونشطاء داخل الأحزاب العربيّة ما زالت مستمرّة دون توقف، وما زالت خطابات الإقصاء والتخوين متواصلة دون توقف، وذلك بدل أن يقوموا بمراجعة تبعات الهزيمة التي من المبكي أن بعضهم يعتبرها نصرًا،  كما تتواصل التخوينات وحتى التشهير وتلفيق التهم علنًا، وعلى رؤوس الأشهاد، وفي استوديوهات التلفزة وأمام الصحافيين الذين يناصرون اليمين ونتنياهو والليكود، ويناصبون المواطنين العرب والأحزاب العربيّة ورؤساءها العداء والإقصاء، بدلًا من الركون والهدوء والتفكير في المرحلة القادمة، وإبلاغ مصوتيهم قبل غيرهم ما هم فاعلون لمواجهة خطر الفاشية الداهم الذي طالما حذَّروا منه، واستخدموه فزاعة لإخراج المصوتين العرب من المنازل إلى صناديق الاقتراع، ولكن يبدو أنهم كتضليلهم في تصريحاتهم التي تحوِّل الهزيمة إلى نصر مبين، يضللون بل ضللوا الجميع، فالخطر الداهم لهم  هو ليس نتنياهو وبن غفير ولا ارييه درعي وموشيه غفني اللذين يمكن إيجاد سبل للتعاون معهما، بل هو "خطر تفوق زملائهم أصدقاء الأمس الذين أصبحوا ألد أعداء اليوم( وليس الخصوم)، وإلا كيف نفسر مطالبة قادة من الجبهة والحزب الشيوعي باستقالة الدكتور منصور عباس ومطالبته بالاعتذار لا لشيء إلا لأنه خاض نهجًا مغايرًا أمكنهم مناقشته، وعدم قبوله ولكن الاتحاد إلى حين، أو إلى ما بعد الانتخابات.  ولكن هيهات هيهات، وكيف نفسر ما فعله النائب سامي أبو شحادة رئيس التجمع من لجوء إلى اتهام الكتلتين المنافستين ، بتلقي أموال من جهات خارجيّة لرفع نسبة التصويت، وكأن رفع نسبة التصويت في المجتمع العربيّ هي جريمة، أما رفعها في المجتمع اليهوديّ  إلى معدلات غير مسبوقة، وهو ما غيَّر قواعد احتساب نسبة الحسم، هو حقّ ديمقراطيّ، وماذا كان الدافع لذلك الاتهام بتلقي الدعم الخارجيّ والمطالبة بالتحقيق الشرطيّ في ذلك( بالمناسبة: التجمع هو الحزب العربيّ الوحيد الذي تم التحقيق معه، وإدانة قادة منه بتهم تتعلّق بالإدارة الماليّة)، وهل هو الانتقام أم اختلاق معركة غير مبررة تؤجّل إلى حين ، محاسبته من حزبه ومصوتيه الذين سيعودون إلى وعيهم، ليفهموا أن حرق أكثر من 130 ألف صوت عبر سيناريو كان واضحًا رغم وعود أبو شحادة بأن التجمّع سيكون "مفاجأة الانتخابات"، هو ما أدى إلى عودة نتنياهو، فالأحزاب العربيّة التي رفعت راية منع عودة نتنياهو كانت الجسر الذي مرّ نتنياهو فوقه منتصرًا، ليس بذكائه، بل بتعنّت قادة تلك الأحزاب، وخاصّة التجمع  وعنجهيتهم مع تفاوتها، وليت ذلك فحسب، بل إن نتنياهو لم يكن "الفارس الوحيد الذي عبر الجسر"، بل رافقه ايتمار بن غفير، بمساهمة من حزب "العمل" الذي أصرت قائدته على عدم الاتحاد مع ميرتس في أفضل تجلٍّ لليسار الإسرائيليّ الذي يسوده التفكّك والفردانيّة،   فمعسكر  نتنياهو موحّد ومتّحد ومكوّناته قليلة، يقابله تبعثر المعسكر المناهض له، والذي تألّف إلى جانب "يش عتيد" من عدّة قوائم صغيرة ، ويعود ذلك إلى المجهود الكبير الذي بذله نتنياهو للعمل على صيانة معسكره، حيث منع تفكك "الصهيونيّة الدينيّة"، كما منع تفكك "يهدوت هتوراة"، ناهيك عن أن قادة اليسار تمامًا كقادة الأحزاب العربيّة، يؤمن كل منهم أنه القادر الوحيد على القيادة، وأن القادة غيره لا يفقهون ولا يفهمون، ووصلوا إلى ما وصلوا إليه بسبب "تصويت غير مفهوم لمؤيديهم" ممّا يستوجب ربما  تغيير الشعب.

 

 


بالمقابل وفي استمرار لحالة الإنكار الخطيرة في المجتمع العربيّ هناك من يدعي أن لا اختلاف جوهريّ بين بن غفير ونتنياهو ولبيد، وأن حكومة لبيد- نفتالي بينيت كانت سيئة، وبالتالي سارعت المشتركة بمركباتها الثلاثة( العربية للتغيير والجبهة والتجمع)، إلى التصويت إلى جانب الليكود وسموتريتش وبن غفير- نعم سموتريتش وبن غفير-  لإسقاطها متناسين تزايد نزعات التطرف ومتجاهلين الحاجة إلى استراتيجية بعيدة المدى تستشرف المخاوف، وتنظر إلى الأخطار بدلًا من تكتيك قصير المدى يشبع الغرائز والمشاعر السلبية دون نظرة ثاقبة إلى المستقبل، فرقصوا في المشتركة فرحًا بسقوط حكومة بينيت- لبيد ومعهم النائبة غيداء ريناوي زعبي والنائب مازن غنايم، وكلّهم عليهم اليوم الخروج إلى مصوتيهم، خاصّة والمواطنين العرب عامّة ليشرحوا سبب تصويتهم ومبرراته، فهم أعادوا نتنياهو إلى الحكم ومعه بن غفير ، وهم منعوا من حكومة أرادت التغيير مواصلة طريقها، فهل سنسمع منهم جملة اعتذار أو مراجعة للذات ؟ أم أننا سنشهد حلقة أخرى من عدم التعامل بجدية واحترام لذهن وعقل الناخب العربيّ؟  ومن عدم التعامل بجدية  مع الخطر الداهم  للحكومة الجديدة، أي مواصلة  طمر الرأس بالتراب، واستخدام بهلوانيّات لفظيّة تستخف بالعقول وتحول الهزيمة إلى نصر مبين متناسين أن أيّ نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو في حقيقته هزيمة ترتدي ثياب النصر .

 

 


وختاماً أقول: الأحزاب العربيّة كلّها دون استثناء مطالبة بحساب النفس ومراجعة الذات فهي بعدائها المتأصّل الداخليّ نسيت الخصم الانتخابيّ الحقيقيّ، وانشغلت بعداءات داخليّة كان من الواضح أن الخير لن يتأتى منها- مع تفاوت نسبة المسؤوليّة بين الأحزاب وتصاعدها من القائمة الموحّدة، وهي الأقل مسؤولية عن الهزيمة يليها الجبهة والعربيّة للتغيير، ومن ثم في القمة دون منازع التجمع الوطني الديمقراطيّ وبالتالي أفشل كلّ منها الآخر.

 

 

والمواطنون العرب مطالبون بحساب للنفس وباتخاذ قرار حول ما إذا كانت هذه القيادة التي يريدون، أو نهج القيادة الذي يريدونه، نهج العداوة الداخليّة والمصلحة الضيقة والبقاء رهائن لخلافات الماضي متناسين قول الكاتب المعروف باولو كويلو:" لأنك كنت أسير الماضي؛ فشلت وأضحيت تخاف من هزيمة"، وعدم الالتفات إلى المواطنين، بل اعتبارهم في عداد المفهوم ضمنًا، ثم اللجوء اليهم طالبين الرحمة والغفران وإلا ستسقط الأحزاب كمن يقتل- مجازًا  والده ثم يستعطف الناس لأنّه صار يتيمًا، وهنا أستذكر القول الشهيرللكاتبة المغربيّة الشهيرة مليكة محمد أوفقير ( ولدت عام 1953) ابنة الجنرال المغربيّ محمد أوفقير والتي قالت:" كلّ شيء يمضي ويمرّ، إلا أن يكون عدوك جزءًا لا يتجزّأ منك، وتلك هي المصيبة والهزيمة".
 

 

 

תגובות

מומלצים

\