بين اجتياح نتنياهو جهاز القضاء وغزو بوش الابن للعراق

حتى وإن لم نكن بحاجة إلى ما يؤكّد القول الشهير لكارل ماركس، حول كون التاريخ يعيد نفسه مرّتين، المرّة الأولى كمأساة والثانية كمهزلة، جاءت أحداث شهر آذار 2023 في إسرائيل والولايات المتحدة لتؤكّد ذلك، ولتقول لمن حاول التشكيك، أو التساؤل أن المقولة صحيحة، بمعنى أن أحداثًا محدّدة قد تحمل تشابهًا واضحًا وبارزًا رغم حدوثهما، أو وقوعها في أماكن مختلفة بعيدة جغرافيًّا، وربما في حقب زمنية مختلفة

01.04.2023 מאת: المحامي زكي كمال
بين اجتياح نتنياهو جهاز القضاء وغزو بوش الابن للعراق

أي أنه تتشابه الأحداث والظروف والملابسات، رغم اختلاف المواقع والزمان. وهذا ما أكّده حدثان شهدهما الشهر  المنصرم، أحدهما إحياء الذكرى العشرين لاجتياح القوّات الأميركيّة والبريطانيّة للأراضي العراقيّة ضمن حملة انطلقت في التاسع عشر من آذار 2003، بأوامر الرئيس الأميركيّ جورج بوش الابن الذي واصل مسيرة والده جورج بوش الأب عرَّاب حرب الخليج الأولى، وطوني بلير رئيس وزراء بريطانيا، وبذريعة امتلاك العراق بقيادة رئيسه آنذاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، استنادًا إلى ما وصفه الزعيمان بمعلومات استخباريّة موثوقة،  اتّضح لاحقًا أنها أبعد ما تكون عن ذلك، وثانيهما تزامن هذه الذكرى مع ما شهدته إسرائيل من تفاقم للاحتجاجات الشعبيّة ضد خطوات قمع وتقزيم وفرض القيود على الجهاز القضائيّ، وتغيير نظام الحكم، والتي وصفها البعض وعلى وزن اجتياح العراق" بأنها "اجتياح واحتلال وإخضاع للقضاء الإسرائيليّ"، وتغيير معالم الديمقراطيّة حتى المحدودة ، فالجغرافيا بعيدة والزمان يبعد عشرين عامًا. لكنّ الملابسات والظروف مشابهة، خاصّة على ضوء ما تمّ الكشف عنه من وثائق  أميركيّة وبريطانيّة تثبت علم بلير وبوش بعدم قدرة العراق على امتلاك أسلحة دمار قبل غزوه بعامين،  كما تؤكّد زيف كافّة مبرّرات الحجج والمبرّرات التي ساقها المبادرون إلى الاجتياح والغزو، وزيف مصادرها، بل عدم وجود أية مصادر لها، وهو ما يقابله إسرائيليًّا زيف كافّة الادّعاءات حول مبرّرات الانقلاب القضائيّ ونظام الحكم، وانكشاف حقيقة دوافع السائرين في ركبه، وبعدها عن أيّ علاقة بالقضاء والعدل والمساواة وضمان الحقوق.

 

 


في حين انكشفت أوّلًا، الحقيقة الأساسيّة في الولايات المتحدة أن احتلال العراق واجتياحه كان خطوة لها أسباب كثيرة وعديدة ومتنوّعة، لكن أيّ منها لم يكن متعلّقًا بالعراق، أو بأسلحة الدمار الشامل ، وأن الخطوة البريطانيّة الأميركيّة، والتي كان أحد الدافعين إليها وزير الخارجيّة الأميركيّ كولين باول، جاءت لأسباب سياسيّة واقتصاديّة  أميركيّة  تتعلّق بالنفط وبشركات صناعة وتصدير الأسلحة، وبريطانيّة داخليّة، اتّضح في إسرائيل  وحتى لبعض قادة الليكود ومركز " كوهيليت" القضائيّ القانونيّ اليمينيّ، أن الحديث عن إصلاحات قضائيّة بدوافع نقيّة ونزيهة بعيد عن الحقيقة كالثرى عن الثريا، وأن الحقيقة هي أن دوافعه هي سياسيّة  وشخصيّة مئة بالمئة تتعلّق بشخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وملفّاته الجنائيّة،  وتصبّ نحو هدف واحد هو منع الزجّ به في السجن حتى لو أدانته المحكمة المركزيّة في القدس بتهم تلقي الرشوة وخيانة الأمانة، وذلك عبر تعيين قضاة على هواه في المحكمة العليا، يضمرون له الولاء والطاعة، ما سيجعلهم يقرّرون قبول استئنافه، وإعلان براءته التامّة والكاملة من كلّ مخالفة، بل من كلّ شائبة صغيرة، ومحاولة بائسة لسنّ قوانين تجيز له تلقي التبرّعات والتسهيلات الماليّة لتمويل دفاعه القضائيّ،  وتجيز له الاحتفاظ بمبالغ طائلة من المال كان قد تلقّاها من أقربائه ومقرّبيه وأصحاب رؤوس أموال لهم في إسرائيل مصالح اقتصاديّة واستثماريّة، كانت المحاكم والمستشار القضائيّ للحكومة قد أمره بإعادتها منذ أشهر، بل سنوات، دون أن يفعل ذلك، كما اتّضح أن دوافع مؤيّدي نتنياهو وائتلافه وفي مقدّمتهم النائب اليمينيّ سمحا روطمان من الصهيونيّة الدينيّة اليمينيّة المتطرّفة، ليس إصلاح الجهاز القضائيّ، بل الانتقام منه على خطوات اتّخذتها الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، وهو ما كشفه أرشيف الكنيست الإسرائيليّ، حول أول كلمة ألقاها روطمان في البرلمان قال فيها إن اتفاقيّات أوسلو عام 1993  والانسحاب من غزة عام 2005 من طرف واحد كانت الذكريات التي صقلت طفولته، وإنه انتظر أن تمنع محكمة العدل العليا هاتين الخطوتين، وأن تقبل الالتماسات المقدّمة ضدّهما، لكنها لم تفعل، وبالتالي أكّدت له كما قال أنها تمارس التمييز والإقصاء القضائيّ ضد اليمين والمستوطنين والمعسكر القوميّ والوطنيّ كما قال،

 

 

 

معلّلًا ذلك بميول القضاة اليساريّة الليبراليّة وبانتماء القضاة إلى النخبة الأشكنازيّة اليهوديّة الغربيّة، وغلق أبواب محكمة العدل العليا أمام اليمينيّين والشرقيّين،  وفي حين اتّضح ثانيًا أن الولايات المتحدة وبريطانيا أرادتا السيطرة على حقول النفط وتحقيق أهداف أخرى عالميّة وإقليميّة منها ممارسة ومواصلة إضعاف روسيا وحلفائها، ومنع انتعاش وتطوّر الاقتصاد الصينيّ، رغم معرفتهما بأن عراق صدام حسين لم يكن يملك أسلحة نوويّة، أو بيولوجيّة، أو كيماويّة، وأن الحديث عن امتلاكه صواريخ بعيدة المدى يمكنها حمل رؤوس مزوّدة بأسلحة دمار شامل تهدّد أوروبا وحتى أميركا ، اتّضح في إسرائيل أن الادّعاءات حول نشاط مفرط للجهاز القضائيّ، وحول تعمّد محكمة العدل العليا شطب قوانين تسنّها حكومات اليمين،  وبالتالي تمنعها من ممارسة صلاحيّاتها وسياساتها، كما حدث في قضيّة اللاجئين الأفارقة المتواجدين في إسرائيل عامّة ومدينة تل أبيب خاصّة. وتعكس مواقف وتطلّعات اليمين الإسرائيليّ والاستيطانيّ، اتّضح أن المحكمة لم تكد تتدخّل في التشريعات وإنما شطبت بنودًا معيّنة في بعض القرارات والقوانين، وأن بنيامين نتنياهو هو من تراجع عن الاتفاق الذي أعلنه مع وزير داخليّته أرييه درعي لنقل اللاجئين إلى دولة أفريقيّة ثالثة،  وأنه فعل ذلك بضغط عائلته وخاصّة نجله يائير، وأن الهدف من الانقلاب القضائيّ هو السيطرة على الجهاز القضائيّ، وضمان ولائه وتغيير نظام الحكم من الديمقراطيّة المحدودة إلى نظام دكتاتوريّ مئة بالمئة، كما هو حكومة نتنياهو يمين يمين مئة بالمئة.

 

 

 


وفي حين تم الكشف في الولايات المتحدة وبريطانيا أن الاجتياح تمّ رغم معارضة معظم دول العالم ومعارضة مجلس الأمن الدوليّ الذي ناقش طلب وزير الخارجيّة الأمريكيّ آنذاك كولن باول إعطاء أميركا الضوء الأخضر للقيام بعمل عسكريّ ضد العراق، قائلًا إنه ينتهك قرارات سابقة لمجلس الأمن بسبب امتلاكه برنامج أسلحة دمار شامل، لكن المجلس لم يقتنع، بل شكّك في ذلك بمعظم أعضائه الذين أرادوا سماع مواقف  وفد من مفتشي الأسلحة من الأمم المتحدة، وهيئة الطاقة، والذي بدأ عمله في العراق منذ العام 2002   في محاولة  للعثور على أدلّة عن أسلحة الدمار الشامل، لكن الولايات المتحدة لم تنتظر تقرير المفتشين وشكّلت تحالفًا مختصرًا ضد العراق، في خطوة برّرها الرئيس الأميركيّ جورج بوش الابن بأنه يتخذ قراراته السياسيّة بناءً على حدسه وحسّه، أو "من بطنه وليس من رأسه"، كما قال هو، أي وفق أهواء ونزوات آنيّة، وليس وفق معلومات وأدلّة مثبتة، وربما وفق مصالح ودوافع شخصيّة منها كما يقول مراقبون علاقاته الوثيقة بكارتيل ( احتكار) شركات النفط والأسلحة، وقربه من جماعات سياسيّة تنتمي إلى اليمين المسيحيّ المتطرّف المؤيّد لإسرائيل، أي دون الاستماع إلى مواقف وآراء الخبراء الأمنيّين والعسكريّين والاستخباريّين( اعترافات رسميّة أميركيّة بأن بريطانيا وأميركا اعتمدتا على مزاعم اثنين من العراقيين المنشقّين  هما  رافد أحمد علوان الجنابي المهندس الكيماويّ،  ومحمد حارث ضابط الاستخبارات المنشق والهارب  اختلقا الأدلّة لإقناع الدولتين بغزو العراق والإطاحة بصدام حسين بدوافع شخصيّة انتقاميّة)، بل تجاهلها نهائيًّا مهما كلّفه ذلك، ومهما كلّف ذلك بلاده، اتّضح في إسرائيل أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والذي تبجّح مؤيّدوه منذ عقدين أنه رجل العسكر والأمن والحامي الأول لأمن إسرائيل ومواطنيها، يرفض سماع تقييمات مسؤولي الأمن على مختلف أجهزته في إسرائيل، وفي مقدّمتهم وزير الأمن يوآف غالانت من حزبه الليكود، ومعه رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي ورئيس الشاباك، جهاز الأمن العام رونين بار وربما رئيس الموساد، ومسؤولو هيئة الاستخبارات العسكريّة وضباط الجيش، حول خطورة الانقلاب القضائيّ الدستوريّ الذي يقوده خاصّة على ضوء تزايد أعداد ضباط الاحتياط في سلاح الجوّ ووحدات الاستخبار السايبرانيّة، الذين أعلنوا أنهم سيتوقّفون عن تأدية الخدمة التطوعيّة، إضافة إلى تواتر الأخطار الخارجيّة أمنيًّا من لبنان وإيران وغزة والضفة الغربيّة وغيرها واحتمال أن تؤدّي إلى انتفاضة، أو إلى توتّر في الضفة الغربيّة وأعمال عسكريّة تؤدّي إلى مصرع إسرائيليّين جنودًا ومواطنين-تمامًا كما  تجاهل بوش في حينه، لتكون النتيجة مقتل 4500 جندي أميركيّ في العراق ، ومقتل 461 ألف إنسان  في العراق بسبب الحرب بين عامي 2003 - 2011  ، وليس ذلك فقط، بل إنه يتّخذ القرارات حتى المصيريّة منها، انطلاقًا من  بطنه ووفق عواطفه ونزواته، ليقرّر قتل ساعي البريد بدلًا من قراءة الرسالة وفهمها، ليقرّر إقالة وزير الأمن يوآف غالانت من منصبه، دون إرسال كتاب الإقالة الرسميّ حتى الآن، متذرّعًا بأنه أي غالانت لم يحارب ظاهرة رفض الخدمة العسكريّة، وهو تعبير يشكّل تضليلًا كبيرًا ومقصودًا، فهي ليست فرارًا من الخدمة العسكريّة، وليس عصيانًا للأوامر العسكريّة ، بل إن الحديث يدور عن ضباط أنهوا خدمتهم الإجباريّة ومن ثمّ الخدمة الدائمة وخدمة الاحتياط لكنّهم يتطوّعون  طواعية وعن طيب خاطر لساعات وأيام في أذرع الجيش ووحداته المختلفة عامّة، وفي أوقات الطوارئ خاصّة دفاعًا عن الدولة وأمنها، وهو حقّ قانونيّ وأخلاقيّ لهم، ناهيك عن أن الحجّة التي ساقها لإقالة غالانت كانت واهية كخيوط العنكبوت ومجافية للحقيقة، فالحقيقة أن نتنياهو أراد إسكات غالانت وضمّه إلى قطيع،  بل جحافل المطيعين في الليكود والائتلاف والإعلام، وهو ما رفضه الأخير وقرّر عقد مؤتمر صحفيّ الخميس الماضي للحديث عن الأخطار، وربما رفض نتنياهو عقد اجتماع للمجلس الوزاريّ المصغّر للشؤون الأمنيّة والسياسيّة، وهو ما يحدث عادة كلّما طلب وزير الأمن وقادة الأجهزة الأمنيّة ذلك، رغم أنه سارع إلى جمعه بعد عمليّة عسكريّة في منطقة حوارة  في الضفة الغربيّة مثلًا إرضاءً لشركائه المستوطنين اليمينيّين، لكن نتنياهو منعه من ذلك، ووعد بخطاب  يعلن فيه نيّته التفاوض مع المعارضين والتوصّل إلى توافق ووقف التشريعات لفترة مدّتها عدة أشهر، وهو ما لم يفعله ما يعني استهانة واضحة ، فقرّر وزير الأمن مساء السبت الحديث مباشرة الى المواطنين.

 

 

 


 اتّخذ جورج بوش الابن قراره احتياج العراق متجاهلًا تحذيرات اقتصاديّة حول خسائر ماليّة كبيرة   سيتعرّض لها الاقتصاد الأميركيّ، وهو ما لم يعره الرئيس الأميركيّ أيّ اهتمام وصولًا إلى نتيجة نهائيّة كلّفت الاقتصاد الأميركيّ تريليون دولار أي 1000 مليارد دولار، وهنا وجه الشبه مع ما يحدث في إسرائيل، فنتنياهو  يرفض الاستماع إلى مواقف وتقييمات الخبراء الاقتصاديّين المحليّين والعالميّين،  وحتى كبار موظفي وزارة المالية حول أخطار الانقلاب القضائيّ والدستوريّ على الاقتصاد الإسرائيليّ، كما يرفض رؤية المعطيات التي تؤكّد هروب رؤوس الأموال ووقف توجّهات الاستثمار، ونقل شركات هايتك إسرائيليّة مراكز التطوير والبحث فيها إلى مرج السيليكون في الولايات المتحدة ، ونقل رؤوس أموال إلى مصارف خارجيّة في أوروبا وانخفاض قيمة العملة الإسرائيليّة الشيكل مقارنة بالدولار وارتفاع الأسعار والفوائد المصرفيّة،  - تمامًا كوزير ماليّته اليمينيّ المتطرف بتسلئيل سموتريتش-الذي رفض بعنجهيّة تقييمات وتقارير ومعطيات كبار الخبراء في وزارة الماليّة حول خسائر بقيمة مئات مليارات الدولارات في السنة الحاليّة والسنوات القريبة، إذا تواصل الانقلاب القضائيّ والدستوريّ، وسط تجاهل واضح لاحتجاجات أصحاب الشركات الكبرى في مجال التقنيّات العالية والمتقدّمة  والبنك المركزيّ في إسرائيل وشركات التصنيف الائتمانيّة الرائدة في العالم، ومنها " فيتش" وغيرها. فالأهداف الشخصيّة والنزوات الفرديّة لبوش الابن قادته إلى حرب طاحنة لا مبرّر لها إلا دوافع يعرفها هو تصبّ في مصلحته الشخصيّة، وهنا في إسرائيل قادت مصلحة نتنياهو الشخصيّة  وقراره التهرّب، أو الهرب من المساءلة القضائيّة والقانونيّة لجنايات ارتكبها، أو تنسب إليه على الأقلّ في لائحة اتهام خطيرة وغير مسبوقة لرئيس وزراء إسرائيليّ، ونزواته ورغبته في نظام حكم على غرار هنغاريا التي يحكمها صديقه وحليفه فيكتور أوربان،  قادته إلى انقلاب قضائيّ سيجعل من إسرائيل دولة دكتاتوريّة يحكمها رجل واحد يسيطر على القضاء والبرلمان والحكومة والإعلام يصول ويجول كما شاء ، يتهم من لا يؤيّده بالعداء لمصالح إسرائيل إلا إذا انضمّ إليه- كما فعلت هيلاري كلينتون بتأييدها اجتياح العراق لتختفي عن الساحة السياسيّة مهزومة من دونالد ترامب- يقرّر ما يشاء دون حسيب أو رقيب، وربما سيقرّر خلق وجه شبه إضافيّ، فإذا كانت أميركا قد خضعت لحكم جورج بوش الأب، ومن ثم جورج بوش الابن، فلماذا لا تخضع إسرائيل لحكم نتنياهو الأب ومن ثم نتنياهو الابن، علمًا أن هناك من يجزم أن نتنياهو الابن – يائير نتنياهو- هو الحاكم الفعليّ للدولة وصاحب القول الفصل بمعاونة والدته سارة.

 

 

 


نشوة القوّة والشعور بالعظمة قادت بوش الابن إلى مغامرة اجتياح العراق، فبلاده انتصرت في حرب الخليج الأولى بائتلاف عربيّ ودوليّ غير مسبوق، واجتاحت أفغانستان فور هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، دون أيّ احتجاج دوليّ، والابن يريد نصرًا ثالثًا على العراق متيقّنًا أن بلاده هي القادرة على كلّ شيء، وأنه القادر على كلّ شيء، وأن لا أحد سيواجهه وسيقاومه،  أو يقوّمه.

 

 

 

 

ولكن، العكس هو ما حدث، فالعراق تحوّل إلى مستنقع دخله الجيش الأميركيّ على جناحي نشوة جعلته يعتقد أنها رحلة قصيرة عمّا قريب ستنتهي لكنها طالت وطالت حتى بعد انتهاء عهده، رغم وقوفه في أيار 2003 أي بعد أقل من شهرين على الاجتياح على متن حاملة الطائرات يو. أس. أس أبراهام لينكولن مطلقًا عبارته الشهيرة بأن المهمة قد أُنْجِزَت. أما نشوة النصر الانتخابيّ الأخير الذي حقّقه نتنياهو في انتخابات تشرين الثاني 2022، فهي التي قادته إلى محاولة الانقلاب القضائيّ، وتغيير نظام الحكم معتقدًا أن لا معارض ولا مناوئ، وأن ائتلافه اليمينيّ المتطرّف والذي يملك 64 نائبًا في البرلمان يجعله القادر على كلّ شيء ، ونسي أو تناسى أن مواطني دولة إسرائيل اليهود وكذلك العرب يريدونها دولة ديمقراطيّة، وأن الجيل الشاب لن يقبل بتجيير دولته لخدمة شخص ما، أي بجعل الدولة رهينة لرغبات شخص ما مهما كان، وأن الاقتصاد هو المحرِّك الأول للدولة والهمّ الأوّل لمواطنيها، وبالتالي فإن الانقلاب القضائيّ الدستوريّ الذي يقوده ياريف ليفين وزير القضاء بدعم وموافقة، وربما بدفع من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سيهدم الاقتصاد الإسرائيليّ، وسيرفع نفقات وتكاليف الحياة، ويزيد حمى الأسعار ويمنع الاستثمارات العالميّة وقيام شركات التقنيّة العالية بشراء شركات ومبادرات اقتصاديّة وتكنولوجيّة إسرائيليّة وغيرها وغيرها، ليصدمه الواقع .

 

 

 

 

وإلى ذلك يضاف وجه شبه إضافيّ هو قيام الزعيمين بوش الابن وبنيامين نتنياهو، باستخدام سلاح التضليل الإعلاميّ أو  fake news  ، لمحاولة إقناع الرأي العام بصدق مواقفهم وتوجّهاتهم وصحّة قراراتهم ، فبوش الابن استخدم التضليل مستعينًا بمعلومات استخباريّة مزوّرة عمدًا، وإعلام صمت عن قول الحقيقة وتهديدات وهميّة حول كون العراق يشكّل خطرًا على العالم وأوروبا. وتجاهل قرارات المؤسّسات الرسميّة والدوليّة وذات الصلة، بل مواقف الدول الصديقة التي شاركت أميركا حربها الأولى على العراق، وفي مقدّمتها الدول العربيّة عامّة والخليجيّة خاصّة، وجنَّد حركات سياسيّة متزمّتة دينيًّا وقوميًّا لدعمه، واستعان ببعض التصرّفات الدينيّة منها ارتياد الكنائس والصلاة كي ينصر الله أميركا. أما نتنياهو فاستعان بالتضليل  الإعلاميّ والسياسيّ عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، ووسائل إعلام واضحة التوجّهات والأهداف، وحاول عرض انقلابه على أنه محاولة إصلاح، وحاول تبريره بأنه سيعزّز الديمقراطيّة، ولن يدمرها وبـأنه سيضمن حقوق المواطن خاصة الضعيف والبسيط والعادي، وسيجعل إسرائيل واحة من العيش الكريم والليبراليّة.  

 

 

 

 

 

وليست دولة شريعة كما تؤكّد القوانين التي يريدون في الائتلاف سنّها، أو دولة تسودها المساواة في الحقوق والواجبات، وليس دولة يتمتّع فيها المتديّنون المتزمتون بكافّة الحقوق والميزانيات، دون أيّ واجبات ودون الخدمة العسكريّة والإنتاج الاقتصاديّ والتعليم الأكاديميّ والعمل، في وجه شبه آخر حيث ضلّل الرئيس الأميركيّ شعبه بأنه سيعيد الديمقراطيّة إلى العراق، وسيمنع التطرف وسيمنع أي محاولة مستقبليّة عراقيّة للمساهمة في ضرب الولايات المتحدة، كاتهام واضح بأن العراق دعم القاعدة، وكان له دور في هجمات الحادي عشر من أيلول ، فكان العكس. فالديمقراطيّة لم تصل العراق، بل حوّلته إلى دولة قبائل وطوائف، والاستقرار بات حلمًا بعيد المنال، والمساواة انعدمت. أما الليبراليّة والعلمانيّة فهي أضغاث أحلام استبدلتها الحقيقة المؤلمة على شاكلة داعش والمليشيات الصدريّة والطائفيّة، أما الازدهار فتحوّل إلى فقر ومجاعة وشحّ للمياه ونقص في النفط وفسادٍ مستشرٍ وشراء للطاقة الكهربائيّة من إيران، وهكذا دواليك.. فالحقيقة هي أن كافّة الحروب والمواجهات والأزمات في الشرق الأوسط خاصّة وربما العالم منذ 2003 مرتبطة بشكل أو بآخر باجتياح العراق ، ويقينًا أن كلّ شيء في إسرائيل من الآن فصاعدًا سيرتبط ارتباطًا وثيقًا بالانقلاب القضائيّ والدستوريّ. وهذا صحيح على كافّة الأصعدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة (عائلات تفكّكت بسبب خلافات سياسيّة حول الانقلاب القضائيّ) فتزايدت الكراهية الداخليّة والتنافر الطائفيّ والدينيّ والقوميّ مع المواطنين العرب، وانسدت آفاق الحلّ السياسيّ.

 

 

 


ختامًا: يحضرني هنا قول الرئيس الإسرائيليّ الأسبق شمعون بيرس الذي قال:" أنت عظيم بقدر النضال الذي تخوضه وتخدمه، لكنّك تصبح وضيعًا إذا كنت تخدم نفسك ومصلحتك الشخصيّة فقط".  وبالتالي سيعتبر الأمر نجاحًا كبيرًا إذا ما تم استغلال الأزمة الإسرائيليّة الحاليّة لخلق حالة أفضل تستند إلى صياغة دستور يغرس عميقًا في القلوب والنفوس وكتب القوانين أسس الديمقراطيّة والمساواة ، خاصّة وأن الوضع الحالي هو حكومة متغطرسة متجبّرة  تنقضّ على الجهاز القضائيّ، ولا تقطّع أوصاله فحسب، بل ربما تنحر عنقه، تلغي الرقابة القضائيّة، تعمل على سنّ قوانين تمّ تفصيلها على مقياس وزراء لشرعنة جناياتهم،  واستبدال المستشارين القضائيّين، وإغراق القطاع العامّ بتعيينات سياسيّة بعيدًا عن المؤهّلات، بل وفق الولاءات والإنتماءات، وتضعف المصرف المركزيّ وتقلّم أظافر الإعلام، ليصبح الكلّ متاحًا، ولتتحوّل الديمقراطيّة إلى دكتاتوريّة والمساواة إلى فوقيّة عرقيّة والليبراليّة إلى إكراه دينيّ، أما النزاهة ونقاء اليدين فتصبح حالة معدومة، في تأكيد على أن السلطة المُفرطة إنما هي مفسَدَة، حيث جاء في الحكمة الفارسية، أن "المال‎ والسلطان ‏مُفسِدان للجميع، باستثناء رجل عقله كامل"، أو كما جاء في نصيحة هرمس الحكيم للملوك ، إنه وجَبَ على من تولّى أمر الناس أن يذكر ثلاثة أشياء، أوّلها أن‎ يده‎ مُطلَقة‎ على‎ قوم‎ كثير، أي أنه ملك وحاكم للجميع، وليس فئة أو عائلة دون غيرها. والثاني‎: أن‎ الذين‎ يده‎ مطلقة‎ عليهم‎ هم أحرارٌ‎ لا‎ عبيد، أي أنه لا يمكنه سلبهم حريّاتهم وكرامتهم خدمة لنفسه دون وازع أو رادع. وثالثها، وهو الأهم، أن‎ سلطانه‎ مؤقّت لن يدوم، وكذلك قوته وعظمته، فكلّها أمور لا تدوم!!!. 

 

 

תגובות

מומלצים

\