الاستبداد السياسيّ يستبدل الديمقراطيّة

في حالة غير مسبوقة تشكّل بنتيجتها النقيض التامّ لما كان الأمر عليه منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، من انتخابات صاخبة، تليها فترات من الهدوء السياسيّ والعمل الجاد لمصلحة الدولة يحكمها الإيمان التامّ بأن لا ديموقراطيّة من دون ديموقراطيّين،

14.01.2023 מאת: المحامي زكي كمال
الاستبداد السياسيّ يستبدل الديمقراطيّة

 

ولا ديموقراطيّة من دون ثقافة الحوار، فهذه بديهيات الفكر السياسيّ المعاصر. وأن الحوار لا يكون إلا بين طرفين أو أكثر، مختلفين ومتعارضين. فثقافة الاختلاف هي أحد أهمّ أسس الحياة الديموقراطيّة، وجدت إسرائيل نفسها فور تشكيل الحكومة الأخيرة ، حكومة نتنياهو السادسة. وهي حالة  وإن تعدّدت تجلّياتها تشكّل مزيجًا خطيرًا بنسخة إسرائيليّة  من الانقسام والشرخ التامّ الذي يمكن وصفه بأنه"دولتان لمجموعتين". الأولى، تلك التي تناصر اليمين والمتدينين والحكومة الحاليّة والتي يعتقد قادتها( الحكومة الحاليّة) أن التأييد الانتخابيّ الذي حصلوا عليه لا يخوّلهم فقط حقّ الحسم السياسيّ والسيطرة على الوزارات ولجان البرلمان، وتوجيه دفّة السياسة الداخليّة والخارجيّة، بل إنه يلزمهم  بإعادة صياغة و"بناء الدولة من جديد "عبر تشريعات تهدم ما كان، وتنصب مكانه تشريعات لا سابق لها ولا مبرّر ،

 

 

تمسّ الجهاز القضائيّ، وتجعل من المستشارين القضائيّين والقضاة وغيرهم تعيينات سياسيّة، وليست مهنيّة يدينون بالولاء لمن يدفع أكثر، انطلاقًا من ادعاءات لا تسمن ولا تغني من جوع  حول كون الجهاز القضائيّ الذي كان طيلة سنوات ورقة التوت الرسميّة، والمدافع عن إسرائيل أمام العالم والهيئات الدوليّة القانونيّة والسياسيّة رغم شرعنته للكثير من التمييز بين الوسط العربيّ والوسط اليهوديّ وتبرير للاستيطان اليهوديّ في الأراضي المحتلة، وعدم إلغاء القوانين العنصريّة، وها هو الآن  يشكّل العدو للحكومة الحاليّة، وأنه خطّط لإيصال" حكومة التغيير" إلى الحكم، أو " أنه نفّذ انقلابًا دستوريًّا" ضد بنيامين نتنياهو، وبالتالي على اليمين وضع أسس جديدة للدولة أهمّها سيطرة المتدينين والمستوطنين،  وتضييق الخناق على المعارضة السياسيّة وعلى المختلفين عرقيًّا ( العرب في إسرائيل) والمختلفين من حيث المعتقدات والميول والتفكير والمواقف وتبرير ذلك بأن الجمهور منحهم الثقة والسلطة، وعليهم استغلالها كما يريدون، وأن يثبتوا للجميع" من هو السيد وصاحب السلطة".  أما الثانية وهي المعارضة اليوم، فإنها تعمل من منطلق "إيمانها" أن قرارات وخطوات الحكومة الحاليّة لا تشكّل بأيّ شكل من الأشكال تنفيذًا لسياسات، بل إنها تشكّل نوعًا من الانتقام وإلغاء قرارات اتخذتها الحكومات السابقة لمجرد كونها كذلك، والانشغال بالقشور ومحاولة استعراض العضلات الإعلاميّة والجماهيريّة كخطوات وزير الأمن الداخليّ( رفع العلم الإسرائيليّ في مدخل السجون الأمنيّة)، وإرغام الشرطة على إنزال علم فلسطيني من فوق خيمة احتفال بإطلاق سراح سجين أمني، وسن قوانين بسرعة البرق دون نقاش أو دون الاستماع – وليس حتى الإصغاء- إلى مواقف المعارضة، في عودة خطيرة إلى سنوات غابرة تغير الحكم فيها من الأحزاب العماليّة وفي مقدمتها مباي - المعراخ  وحزب العمل،

 

 

 إلى الليكود بقيادة مناحيم بيغن، الذي  اقترح في حينه بعض أنصار "الحكم القديم" تغيير الشعب،  ليصل الأمر اليوم، وبعد سنة ونصف فقط  ابتعد فيها اليمين عن سدّة الحكم بعد سيطرة دامت نحو أربعين عامًا  إلى نفس الادعاء من قبل اليمين والمستوطنين، أن الحكومة السابقة باعت البلاد والعباد، وأن السيطرة السياسية تجيز لمن حصل على ثقة الناخبين تقويض أركان الهيئات القضائيّة والسياسيّة والجماهيريّة والحقوقيّة والمدنيّة، لمجرد أن توجّهات هذه الهيئات لا تلائم اليمين، وبالتالي يحلّ له تغييرها، بل استبدالها ، بادّعاء الرغبة في السيطرة، عبر إلغاء القرارات وفصل الموظفين في الجهاز العام، وحتى منهم من عمل مع بنيامين نتنياهو لمدة سنوات طويلة، وواصل العمل بحكم الاستمراريّة الدستوريّة مع رئيسي الوزراء  نفتالي بينيت ويئير لبيد، واختيار جدد محلّهم "صفتهم الوحيدة" الإخلاص في حالة تشكّل بعث الروح من جديد في  المكارثيّة، ذلك الاتجاه السياسيّ الرجعيّ الذي بدأ سنة 1950 في أمريكا ،على يد رئيس إحدى اللجان في الكونغرس الأمريكيّ السيناتور جوزيف مكارثي، وملخصه  شيطنة الفكر المعارض، وتوجيه التهم المغرضة وأبرزها الخيانة، لكن دون تقديم أيّ دليل على صحّة الاتهام( من أهمّ من وقعوا في شراكها مارتن لوثر كينغ وآينشتاين وشارلي شابلن ووزير الخارجيّة آنذاك جيمس بيرنر)، عبر التركيز على "معاقبة" الموظّفين في القطاع العامّ واتهامهم باعتناق الشيوعيّة، وتهديد الأمن القوميّ الأميركيّ والزجّ ببعضهم في السجن وإبعادهم عن مناصبهم، ليتضح أن التهم الموجهة اليهم بعيدة عن الواقع، ولكن ربما بعد فوات الأوان. 

 

 


ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، ليبدو الحال في إسرائيل وكأن جورج أورويل وصفه فأجاد حين قال:" السياسيون في العالم كالقردة، إذا تشاجروا ( الائتلاف والمعارضة)أفسدوا الزرع، وإذا اتّفقوا ( أحزاب الائتلاف الحاليّ) أكلوا المحصول"، فالاختلاف السياسيّ تحوّل في إسرائيل الحاليّة وبحكم سنوات من سيطرة اليمين والمتديّنين وضعف ووهن ما يسمّى معسكر "اليسار اليمين المعتدل"، إلى خلاف، بل عداء  وتحوّل من لا يصوّت لليمين إلى خائن، ومن لا يجاري اليمين ويقدّس زعيمه نتنياهو، ويتيح له ولمن معه أن يضربوا عرض الحائط بالأعراف والقوانين والتشريعات والقيم التي ميزت الساحة السياسيّة والفصل بين السلطات واستقلاليّة القضاء  وحقوق الأقليّات والاقتصاد الحرّ إلى مارق. إذا كانت هذه كلها، أو بعضها تحول دون ممارسة السلطة دون حدود، ودون أن يتمكن القضاة الذين يتهمه  اليمين بالسيطرة على القرارات في البلاد وتقليص صلاحيات السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة عبر ما يسمى" الأكتيفيزم (الاجتهاد)القضائيّ"، أي أن يقول القضاء كلمته في قضايا جوهريّة ودستوريّة( مع انعدام الدستور في إسرائيل)،

 

 

وربما الرقابة القيميّة والحقوقيّة على قرارات الكنيست منعًا لظلم الأغلبيّة، ما يعني أن الحكومة الحاليّة " تنهى عن خلق وتأتي بمثله"، فهي بمركباتها وكل منها من منطلقات خاصّة وضيقة للغاية، بل شخصيّة في مقدمتها محاولة نتنياهو التملص من نتائج محاكمته بالتهم الجنائيّة وإحاطة نفسه بجهاز قضائيّ يتم انتخاب قضاته من قبل السياسيّين بكلّ ما يعنيه ذلك من التسييس والحظر لمس أخطار العدالة ونقاء اليدين وتحويل إسرائيل إلى نسخة من الديمقراطيّة الشكليّة التي تشبه إلى حدّ بعيد نهج فيكتور أوربان في هنغاريا، أو يقترب إلى السلطة المطلقة لرئيس الوزراء وحزبه عبر تغليب الأبعاد والمبررات السياسيّة، أي حكومة تنتقد" الأكتيفيزم القضائيّ" لكنّها بدلًا من تصحيحه وإدخال تصليحات أنها ضروريّة جدًا، تهدم القلعة على رؤوس قاطنيها وتستبدل الأكتيفيزم القضائيّ " بدكتاتوريّة الأغلبيّة، أو " الأكتيفيزم السياسيّ" بكل ما يحمله ذلك من أخطار ونزوات خاصّة في دولة طريّة العود عمرًا تعيش حالة نزاع مع الفلسطينيّين على الصعيد الخارجيّ، وتوترًا دائمًا في الداخل مع مواطنيها العرب، وربما مع غيرهم ومع أنفسهم ،  وسط صمت تامّ من كافة مركبات الائتلاف لأسباب أقل ما يقال فيها إنها الخوف بعينه، أو عدم الرغبة في صدام مع نتنياهو يتمّ اتهام من يبادر إليه بأنه عدو لليمين وعميل لليسار، رغم أن الكثيرين من أعضاء الليكود يؤكّدون في جلسات مغلقة، أن ما يحدث خاصّة على صعيد الجهاز القضائيّ لا يعني الإصلاح كنهاية لمسيرة طبيعيّة،  وربما مباركة ومطلوبة من التغيير والتعديل (Evolution)   الذي يتم بشكل تدريجيّ ومتسلسل، وعبر حوار بين كافّة الأطراف ذات العلاقة، دون أن يحاول أحدها، لي ذراع الأطراف الأخرى كي تفهم أنه الحاكم والآمر الناهي، بل عبر هدم ما كان وإقامة  جهاز قضائيّ مُسالِم على أنقاضه"  أي انقلاب وثورة تشريعية نتيجتها النهائيّة لا تختلف شيئًا  عن Revolution ، دون اعتبار لما سيأتي وهو باختصار نسخة جديدة ومكرّرة مما فعلته حكومة نتنياهو خاصّة، وأن المعارضة تؤكّد أنها بدورها ستلغي كلّ قرارات الحكومة الحاليّة في بداية لحالة من عدم الاستقرار السياسيّ الخطير ملخصه استبدال القوانين، ونظام القضاء والمسؤولين والموظفين بعد كلّ انتخابات في حالة تشبه ما يحدث في انتخابات السلطات المحليّة العربيّة، أو دول العالم الثالث التي تشهد انقلابات عسكريّة. وهو ما دفع القاضي أهارون باراك، رئيس محكمة العدل العليا الأسبق وعرَّاب الأكتيفيزم القضائيّ إلى القول إن نتيجة "الإصلاحات" التي يريدها رئيس الوزراء نتنياهو، وينفذها باسمه حرفيًّا وزير القضاء يريف ليفين، لا تختلف عن نتيجة انقلاب (المصفّحات)، لأنه سيحوّل إسرائيل إلى دولة ديمقراطيّة شكليّة تخشى السلطة القضائيّة فيها سطوة السياسيّين، وتتماشى معهم وتقدّس مواقفهم وتشرعن بذلك دكتاتوريّة الأغلبيّة خاصّة عبر قانون، أو فقرة التغلب التي تتيح للبرلمان إلغاء قرارات المحكمة العليا بغالبية 61 صوتًا، بينما تحرم المحكمة من حقّها في إلغاء قانون ما لكونه غير دستوري إلا بأغلبيّة كاملة وإجماع 13 قاضيًا وهو ضرب من المستحيلات.

 

 


وإذا كان ذلك لا يكفي جاءت قرارات وزراء حكومة نتنياهو الجدد وخاصّة إيتمار بن غفير وزير الأمن القوميّ، المتسرّعة والشعبويّة ومنها المسارعة إلى إصدار تعليمات برفع علم إسرائيل في مداخل السجون الأمنيّة والأقسام الداخليّة في السجون ، متناسيًا أن لا مكان ولا مبرر لهذه التعليمات فالقانون الإسرائيليّ الحالي يلزم كافّة المؤسّسات الرسميّة( وبضمنها السجون الأمنيّة والجنائيّة) برفع العلم الإسرائيليّ وهذا ما يحصل ، لكن بن غفير ومثله بتسلئيل سموتريتش وزير المالية طيلة الأسبوع ووزير إضافيّ في وزارة الأمن ليوم واحد أسبوعيًّا(يوم الخميس) الذي قرّر الغاء قانون فرض الضرائب على المشروبات المحلّاة نظرًا لأخطارها الصحيّة والاقتصاديّة والبيئيّة، دون استشارة الأطباء، ودون أخذ آراء أصحاب الاختصاص، فهو قانون سنته الحكومة السابقة وبالتالي يجب إلغاؤه، وكذلك الإصلاحات التي أدخلتها وزيرة التربية يفعات شاشا بيطون  على امتحانات البجروت( الموازية لامتحانات التوجيهيّ)، وقرارات أخرى منها ما يتعلق بمشاريع بنى تحتيّة كالقطار تحت الأرضيّ وغيره دون سبب ودون مبرر، وليس ذلك فحسب  إذ تعلو أصوات المعارضة والاحتجاج التي تؤكد أن استمرار السياسات والتوجهات التي تريدها الحكومة الجديدة قد يقود إلى حرب أهليّة كما حذّر بيني غانتس رئيس قائمة المعسكر الرسميّ المعارض، وسط حديث عن صدامات خطيرة  قد تشهدها البلاد،

 

ولكن بصمت مطبق ، خاصة وأن نتنياهو والذي التزم الصمت تجاه "إصلاحات يريف ليفين" للجهاز القضائيّ خرج عن صمته مؤكّدًا دعمه لها خاصّة قضية تعيين القضاة من قبل السياسيّين، وفصل منصب المستشار القضائيّ للحكومة، ما يعني أنه سيختار قضاته بنفسه، وأنه سيكون صاحب القول الفصل في إمكانية إلغاء محاكمته ضاربًا بذلك عرض الحائط بكافّة التعليمات القانونيّة التي تحظر عليه التدخل في الشؤون القضائيّة، وتعيين القضاة انطلاقًا من تعارض المصالح الواضح، بمعنى أنه واثق من أن سيطرته على الجهاز القضائيّ ستكون كاملة ما سيمكنه من إلغاء تهمة الاحتيال والغش والخداع التي تتم محاكمته بسببها، وبالتالي انتفاء دوافع المحاكمة أصلًا. وكلّ ذلك وسط حنين إلى مغازي القصة الشهيرة" بطل هارلم الصغير" التي تقع أحداثها في مدينة هارلم المنخفضة عن مستوى سطح البحر، وتتحدّث عن الصغير هانز الذي يحاول منع غرق المدينة بسبب فيضان السدّ( السيل  الجارف من التشريعات والقوانين والتضيّيقات)  بحكمة وتروٍّ. فيتصرّف كرجل لا يهرب من الخطر، بل يواجهه ويُحسن التخلّص منه مستعينًا بأهل المدينة( المحتجّين من اليسار والمواطنين العرب) الذين يهرعون لتلبية طلبه. وهكذا ينقذ أهل المدينة من الغرق. وهو تصرف يتّسم بالحكمة والشجاعة الشخصيّة، وحنين إلى شجاعة من أمكنه، أو يمكنه أن ينعم برضى الإمبراطور  ( الحاكم الوحيد)، كما في قصة هانس كريستيان أندرسن في قصة" ملابس الامبراطور الجديدة"، لكنه يرفض ذلك ويصرّ على قول الحقيقة الواضحة دون رتوش ومواربة. وهو شجاع ليس موجودًا حتى اليوم في الليكود واليمين والائتلاف الحاليّ، الذي يبدو أن هناك بندًا خافيًا لكنه رئيسيّ في اتفاقيّاته الائتلافيّة ملخصه أن لا انتقاد، ولا اعتراض ولا نقاش (انظر لاءات مؤتمر الخرطوم سنة 1967 ) ولكلّ وزير من أمره ما يريد، حتى لو كانت الخطوات والقرارات تناقض أبسط أولويات الممارسة السياسيّة والبرلمانيّة في الدول الديمقراطيّة، وتجيء لتقليص الحريات العامّة ، وتطوع القانون والتشريعات لمصلحة الحاكم وتمنع  تطبيقه الصحيح، وتلغي الرقابة البرلمانيّة والقضائيّة، وتجعل من الحكومة ( السلطة التنفيذيّة)السلطة الوحيدة باعتبارها تملك أغلبية تلقائيّة في السلطة التشريعيّة،

 

 

 

 وهو انحراف ديموقراطيّ، يريد إضعاف الجهاز القضائيّ خدمة لأهداف شخصيّة ضيّقة وقصيرة المدى متناسيًا الأبعاد المباشرة على المواطنين كافّة دون استثناء. وفوق كلّ ذلك متناسيًا كيف استعمل هذا الجهاز القضائيّ الإسرائيليّ كما أثبتت الأحداث المتعلّقة بالصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ في حماية المسؤولين والضباط والجنود في إسرائيل ومنظمات منها الجيش وغيره، من أخطار وتهديدات المساءلة القانونيّة الدوليّة سواء كان ذلك بواسطة محكمة الجنايات الدولية او هيئات حقوقية اممية وعالمية، خاصة في الحالات التي حققت فيها المحاكم في إسرائيل، أو لجان التحقيق، أو الهيئات القضائيّة العسكريّة. وهو ما سيصبح من غير الممكن إذا ما نفذت هذه الحكومة ما تريده من خطوات يسمونها إصلاحات وهي غير ذلك. وهو ربما ما تنذر به قرارات وتوصيات في المدّة الأخيرة منها مشروع القرار الذي اعتمدته الجمعيّة العامّة  للأمم المتحدة، والتي أعربت عن "قلقها الشديد إزاء "إمعان إسرائيل في انتهاك حقوق الإنسان للشعب الفلسطينيّ بشكل منهجيّ، بما في ذلك الانتهاكات الناجمة عن الاستخدام المفرط للقوة والعمليات العسكريّة،

 

 

 

التي تؤدي إلى وفاة وإصابة المدنيّين الفلسطينيّين، بمن فيهم الأطفال والنساء والمشاركون في مظاهرات غير عنيفة وسلمية واحتجاز جثامين من قتلوا، مشيرة إلى أعمال العنف والمضايقة والاستفزاز والتحريض التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليّون المتطرّفون وجماعات المستوطنين المسلحين، وبالتالي تحثّ الطرفين ( إسرائيل والفلسطينيين) على التزام الهدوء وضبط النفس والامتناع عن القيام بأعمال استفزازيّة، وعن التحريض ونبذ لغة الخطاب الملهبة للمشاعر، وبخاصة في المناطق ذات الحساسيّة الدينيّة والثقافيّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة،( زيارة إيتمار بن غفير إلى المسجد الأقصى مثلًا)، واتخاذ كلّ خطوة ممكنة لنزع فتيل التوترات وتهيئة الظروف المواتية لإجراء مفاوضات سلام ذات مصداقيّة وناجحة علمًا أنها طلبت من الأمين العام أن يقدم في دورتها الثامنة والسبعين تقريرًا عن تنفيذ هذا القرار، بما في ذلك مدى تطبيق اتفاقيّة جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينيّة المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وعلى الأراضي المحتلة الأخرى. كما طلبت من محكمة العدل الدولية،  أن تصدر فتوى بشأن مسألتي استمرار الاحتلال وتأثيراته على الفلسطينيّين،

 

 

 

مع مراعاة قواعد ومبادئ القانون الدوليّ، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدوليّ الإنسانيّ والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان وقرارات مجلس الأمن والجمعيّة العامّة ومجلس حقوق الإنسان ذات الصلة وفتوى المحكمة نفسها من العام 2004، هذا إضافة إلى إمكانيّات وسيناريوهات الاصطدام المحتمل مع الأردن صاحب الوصاية الهاشميّة، وربما مصر ودول اتفاقيات أبراهام، وخفوت السعي السعوديّ إلى مصالحة مع إسرائيل.

 

 

 


الحكومة الجديدة وعلى لسان رئيسها بنيامين نتنياهو أعلنت أن أمامها 3 مهام أساسيّة، هي وقف البرنامج النووي الإيرانيّ، تطوير البنية التحتيّة وإعادة الأمن الداخليّ والحكم إلى إسرائيل، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتحسن التعليم، وهي عناوين تؤكّد العموميّات وتتوافق، بل تتطابق مع ما نقشته الحكومة السابقة وتلك التي قبلها على رايتها، وهي أهداف ما زالت بالنسبة للحكومة الجديدة شعارات فضفاضة، فهي لم تتخذ أيّ قرارات لخفض تكاليف المعيشة، رغم أنه أمكنها ذلك عبر سن قوانين معينة وأوامر مؤقّتة تمنع مثلًا رفع أسعار الكهرباء والوقود وأسعار الشقق والسلع الغذائيّة، فهي تملك منذ انتهت الانتخابات أغلبية واضحة ومتماسكة تمكنها من سنّ أيّ قانون تريد. وهو ما اتضح من سنها السريع لقوانين تمكّن أرييه درعي من استلام حقيبة وزارية، رغم إدانته مرتين بمخالفات جنائيّة وتعهده أمام المحكمة باعتزال الحياة البرلمانيّة والوزاريّة، وقانون بتسلئيل سموتريتش (الذي ينصّ على أن يكون هناك وزيرا أمن أحدهم بوظيفة كاملة وأحدهم ليوم واحد أسبوعيًا وتقسيم صلاحيات وزارة الأمن) وتعديل قانون الشرطة ( قانون إيتمار بن غفير) وغيره، لكنها بدلًا من ذلك وفي إشارات تثير القلق والخوف تنحو إلى الانشغال بقضايا تثير البهرجة الإعلاميّة والكسب الجماهيريّ الشعبويّ كإنزال العلم الفلسطينيّ، ومنع الاحتفال بإطلاق سراح سجين أمني وسنّ قانون بسرعة البرق يتيح لوزير الداخليّة معاقبة هذا السجين وسحب جنسيّته الإسرائيليّة، رغم أنه أنهى مدة محكوميته، أو وفق التعبير الدارج" سدَّد دينه للمجتمع" ،

 

 

 

وبتزامن غريب مع مطالبة نفس الحكومة لمحكمة العدل العليا بعدم "معاقبة" وزير الداخليّة ذاته الداعم للقانون  بمنعه من استلام منصب وزير بادعاء أنه يحقّ له" حرية الاختيار وتولي المناصب"،  بعد أن سدَّد دينه وقضى عقوبته مقابل مخالفاته، وبالتالي فهي حكومة تشير خطواتها الأولى أن ما يجمع أطرافها، بل ويحرّكها هو الرغبة في الانتقام من كافّة الهيئات والشخصيات والجماعات والأحزاب والسلطات التي كان لها دور في إيصال حكومة التغيير إلى السلطة، وتحطيم وتفتيت كلّ الإصلاحات والقرارات التي تم اتخاذها، عبر استغلال غير مراقب، وربما منفلت للقوة السياسيّة، أي عبر استبداد سياسيّ وسلطة مطلقة للحكومة (التنفيذيّة) على التشريعية( البرلمان) والقضائيّة( الحاكم وتعيين القضاة)، وكأنها تقول :" سنحكم عبر استبداد سياسيّ لا يلتفت للقيم والقوانين، بل يطوعُّها عنوة ويقدس ما نريد، يخبط خبط عشواء ولتكن النتائج ما تكن، فالمهمّ ليس كيف نحكم، بل أن نُري الجميع أننا من يحكم"،

 

 

 

متسلّحة بادّعاءات غوغائيّة منها أن الشعب بتصويته أراد أن ينتخب السياسيّون القضاة، وأن يهددوا جهاز القضاء، وأن يلغوا الحريات الفرديّة عبر حكومة يصدر وزير الأمن القوميّ فيها فرمانات تقضي باعتقال من يتظاهر ضد حكومته، ويغلق الشوارع ولو للحظة أو يرفع شعارات يعتبرها الوزير مؤيّدة للإرهاب وهو الذي أدين بالعضوية في منظمة إرهابية. وباختصار حكومة شعارها:" نفعل ما نريد ببساطة لأننا نستطيع ذلك" في أفضل تعبير عن نشوة القوة وغطرسة الفائز، واستبداد سياسيّ يقود إلى مواجهة بوادرها واضحة جعلت شعار دولتين لشعبين يطبق داخل إسرائيل، فها نحن امام دولتين، الأولى يمينة ليكودية استيطانية متدينة تريد استبداديّة سياسيّة دون حقوق للأقليّات حتى لو كانت يهوديّة فهي يساريّة تناوئ نتنياهو، وبالتالي لا حقوق لها ،

 

 

 

والثانية دولة اليسار والعرب والمعارضة التي تؤكد أن التشريعات تعني انتهاء الدولة والديمقراطيّة، إضافة إلى أن سياسات وزير الأمن القوميّ وسيطرته على آلاف من جنود حرس الحدود، وتصريحاته أنهم سيعملون على " تطبيق السلطة في النقب ومنع المظاهرات ضد اليمين وضد الاحتلال" تعني وجود دولتين الأولى لليهود ومن اليمين بالذات لهم كلّ الحماية والحقوق القانونيّة، والثانية لليسار والمعارضة والعرب، تسودها التضييّيقات والفرمانات اليوميّة التي يريد منها الوزير أن يكون "ضابط الأمن،  أو "الشريف"  " القبضاي" في الأفلام الأمريكيّة الذي يصيغ القانون وينفذه كما يريد ويهوى. فأنا القانون والقانون أنا. 
 

 

תגובות

מומלצים

\